أقمار حية
قد تكون الأقمار التابعة الطبيعية في مجموعتنا الشمسية أهدافاً رئيسية لجهود البحث عن الحياة
بقلم: جوناثان أوكالاهان
أخذ البحثُ عن الحياة في مجموعتنا الشمسية العديدَ من التحولات والمنعطفات على مرّ العقود. فقد كان المريخ في يوم ما هو المكان الأكثر قابلية لوجود حياة في الماضي والحاضر، في حين أن عوالم مثل الزهرة تحمل بصمات تدل على أنها كانت صالحة للسكنى. وفي تغير للمسار، ينصب معظم التركيز اليوم على مواقع جديدة تحمل وعداً كبيراً- وهي أقمار الكواكب الخارجية، حيث يمكن للأسطح الجليدية والتضاريس الأخرى أن تخفي بيئات تؤوي الحياة. وكانت المركبتان الفضائيتان بايونير 10 و11 التابعتان لوكالة ناسا في سبعينات القرن العشرين أولَّ من التقط صوراً عن قرب للمشتري، وزحل وأقماره؛ مما استهل قصة علمية مثيرة تنطلق اليوم إلى الأمام بكامل سرعتها. ففي حين يبدو قمرُنا غالباً عديم الحياة، أظهرت المركبات الفضائية المبكرة مثل هاتين بايونير 10 و11، والمركبة الفضائية التي تلتهما، فوياجر، أن هناك الكثير من الأسرار التي تنتظر أن نكتشفها. وقد تصاعدت وتيرة الإثارة بالفعل بعد وصول المركبة الفضائية غاليليو التابعة لوكالة ناسا إلى كوكب المشتري في عام 1995، ومركبتها الفضائية كاسيني إلى زحل في عام 2004. وأظهرت هذه المسابير أن تلك الأقمار أكثر إثارة مما كنا نتصوره، في وجود أدلة متزايدة على أن بعضها قد يؤوي محيطات تحت سطحه. وعلى الرغم من أنه بدا أن أيا منها لا يُظهر أي علامة للحياة على سطحه، إلا أن العلماء بدؤوا يتساءلون عما قد يحدث تحت السطح- في معزل عن الإشعاع. أما اليوم، فأقمار المشتري وزحل، وربما أقمار أخرى أيضاً، مثل «ترايتون» قمر نبتون، يبدو أنها الأرجح في البحث عن الحياة في المجموعة الشمسية. وباستخدام الرادار وغيره من الصور، أثبتنا بشكل شبه قاطع أن مواقع مثل يوروبا وإنسيلادوس تؤوي محيطاتٍ تحت سطحها. ويُعتقد أن هذه المحيطات تقع على مسافة عشرات الكيلومترات تحت جليد أقمارها، لكنها أعمق بكثير من أن نصل إليها باستخدام تقنياتنا الحالية. ولكن يبدو أن القمرين يوروبا وإنسيلادوس على وجه الخصوص يَبثَّان أعمدة نافثة Plumes من محيطاتهما إلى الفضاء، وتتوفر بعض هذه المواد للدراسة سواء في الفضاء أم على السطح. وقد تمكنت المركبة الفضائية كاسيني فعلياً من الطيران عبر أعمدة إنسيلادوس، ومن ثمَّ جَلْب عينات من داخلها. ولكن عندما صمّمت البعثة، لم تكن هذه الأعمدة معروفة، ولذلك كانت الأدوات المتاحة لدراستها محدودة. ويمكن للبعثات المستقبلية دراسة هذه الأعمدة بمزيد من التعمق، وأن تبحث عن المركبات العضوية أو مع تعرّض هذه الأقمار للشد والسحب بفعل الجاذبية الشديدة لكواكبها المُضيفة، تتعرّض للاحترار المدّي، وذوبان مساحات شاسعة من الجليد إلى السوائل التي نعتقد أنها توجد هناك اليوم. ويُعتقد أن كمية هذه السوائل وفيرة- ويُظن أن بعض هذه الأقمار الحية قد تحتوي على كميات من الماء أكثر مما يوجد على الأرض. والاحترار المدّي مثير للاهتمام لسبب آخر أيضاً. وتحتاج الحياة كما نعرفها إلى العديد من العناصر الأساسية لكي تزدهر، بما في ذلك المياه السائلة والحرارة والطاقة. وقد يكون الأمر أن هذا تأثير الجاذبية في بعض هذه الأقمار يسخّن اللب؛ مما يُكوّن فوهات حرارية مائية على قاع المحيط. وعلى الأرض لا توفر هذه الفتحات الحرارة اللازمة للحياة فحسب، بل توفر الطاقة والغذاء أيضاً. فهل يمكن أن تكون بعض هذه الأقمار، في أعماق بنيتها الداخلية، مشابهة للأرض؟ ليست المحيطات وحدها هي المثيرة للاهتمام، لأن قمر زحل «تيتان» مثير للاهتمام لسبب آخر. وفي حين نعتقد أن هذا القمر قد يحتوي على محيط تحت سطحه، إلا أن اهتمام العلماء ينصب على ما يحدث فوق السطح. تيتان هو العالم الوحيد غير الأرض المعروف باحتوائه على مسطحات سائلة على سطحه- في حالته على صورة الميثان السائل والإيثان؛ مما يُنتج سائلا يشبه وقود الطائرات. فإذا أضفت إلى ذلك غلافه الجوي السميك ونظامه المناخي الذي لا يختلف كثير عن نظامنا، فسيظهر تيتان أكثر فأكثر كمرشح محتمل.
فإذا كانت هناك حياة على سطح تيتان، فمن المحتمل أن تكون حياةً لا نعهدها، والتي تعتمد على عمليات لم نفهمها بعد. وفي الوقت نفسه، فقد ارتكز معظم الاهتمام بالأقمار ذات المحيطات على الحياة كما نعرفها، وهو أمر منطقي؛ فنحن نعلم أن الحياة توجد على كوكبنا في ظل ظروف معينة، فلماذا لا نبحث عن الظروف نفسها في مكان آخر؟ وللحصول على إجابات لهذه الأسئلة وأكثر، جارٍ الآن تصميم عدد من المركبات الفضائية التي يمكنها سبر أغوار هذه الأقمار كما لم يحدث من قبل. فعلى سبيل المثال، ستقوم المركبة الفضائية «يوروبا كليبر» التابعة لوكالة ناسا بدراسة القمر- الذي سُمِّيت على اسمه- بالتفصيل. وعند إطلاقها في منتصف عام 2020 ستحاول معرفة مدى سماكة الصفيحة الجليدية للقمر يوروبا، وما إذا كانت هناك علامات على صلاحيته للسكنى.
لاستكمال هذه البعثة، تتطلع وكالة ناسا إلى تطوير مركبة هبوط على يوروبا، والتي يمكنها الهبوط على سطح هذا القمر. فإذا كانت أعمدة القمر يوروبا تُمطر على السطح كما نتوقع، فإنه يمكن جلب عينة من هذا المحيط دون الحاجة إلى حفر عشرات الكيلومترات من الجليد. ويعتقد آخرون إن القمر إنسيلادوس هو مرشح أفضل لمثل هذه المهمة، فأعمدته النافثة أكثر ثباتاً؛ مما يوفر المزيد من المواد لدراستها. وعلى الرغم من أن الميزانيات محدودة، إلا أن يوروبا هو محور الاهتمام في الوقت الحالي. وستقوم بعثة أخرى لوكالة الفضاء الأوروبية (ESA)، وهي مستكشف الأقمار الجليدية للمشتري «جوس» (JUICE)، بدراسة هذه المنظومة. وعلى جانب القمر يوروبا، ستدرس البعثة أقمار المشتري الأخرى المثيرة للاهتمام، بما في ذلك غانيميد وكاليستو. وقد يخفي هذا الأخير محيطاً قديماً ظل موجوداً لفترة تكفي للسماح بنشوء الحياة، في حين أن الأول هو القمر الوحيد في المجموعة الشمسية المعروف بامتلاكه لحقل مغناطيسي. ويحمينا المجال المغناطيسي للأرض من الإشعاع؛ ولذلك فربما كان مجال غانيميد المغناطيسي يجعله صالحاً للسكنى بالمثل. ويتقدم البحث عن الحياة في الكون بثبات، إذ يفضل بعض العلماء إلقاء نظرة عن كثب على المريخ، والذي ربما كان أقرب الكواكب إلى الأرض بسبب وجود بحار ومحيطات على سطحه. ويفضل آخرون دراسة العوالم خارج مجموعتنا الشمسية، المعروفة بالكواكب الخارجية، للبحث عن كوكب قد يُشبه أرضنا. ولكن أقمار الكواكب الخارجية هي بلا شك من بين الأهداف الواعدة في الوقت الحاضر. فمازلنا لا نعرف إلا القليل عن المحيطات وصلاحيتها المحتملة للسكنى، لكننا قد نقترب خلال العقدين المقبلين أكثر من أي وقت مضى من معرفة ما إذا كانت الحياة في مجموعتنا الشمسية مقتصرة على كوكبنا الصخري أم إنها تنتشر بكثافة على عوالم قد تشبه أو لا تشبه الأرض.