أكبر الثقوب السوداء في الكون
في مركز مجرة درب التبانة، يوجد ثقب أسود عملاق تعادل كتلته 4 ملايين شمس. لكنه يظل ضئيلاً مقارنة بنظرائه في المجرات الأخرى
فإنهم يتحدثون عن كتلته، وليس عن حجمه المادي.
بقلم: أندرو ماي
الثقوب السوداء Black holes هي الظواهر الفيزيائية الفلكية الأكثر تطرفا في الكون، وهناك احتمال كبير لأن تكون أشهرها أيضاً. لم يسمع الجميع عن النجوم النيوترونية Neutron stars، أو السدم الكوكبية Planetary nebulae، أو الأقزام البنية Brown dwarfs، لكن معظم الناس صادفوا فكرة الثقب الأسود، حتى ولو في فيلم للخيال العلمي فحسب. يكمن جزء من هذا الانبهار في الطريقة التي تبدو بها الثقوب السوداء وكأنها تكسر – أو على الأقل تحرف بشكل لا يمكن التعرف عليه – جميع قوانين الفيزياء السليمة. ولكن إذا نظرنا إليها عن كثب، فهي في الحقيقة مجرد نتيجة حتمية لهذه القوانين.
كمفهوم نظري، ظهرت الثقوب السوداء لأول مرة خلال تفكير العلماء في الجاذبية Gravity، وخاصةً في سياق الأجرام الكبيرة مثل النجوم. الجاذبية هي القوة التي تعمل بين جزيئات المادة، وتميل إلى تقريبها من بعضها بعضاً. في الأشياء العادية في العالم المحيط بنا، توازن قوة الجاذبية بفعل تأثيرات فيزيائية أخرى مثل القوى الكهروستاتيكية والقوى النووية، مما يؤدي إلى احتفاظ الأشياء بحجم محدود بدلاً من الانهيار إلى نقطة فقط. ينطبق الشيء نفسه على النجوم، مثل الشمس، حيث تقاوم الجاذبية بضغط السوائل Fluid pressure. حتى في النجوم الضئيلة جداً مثل قزم أبيض، حيث تُضغط كتلة مشابهة لكتلة الشمس إلى حجم يناهز حجم كوكب، هناك قوى أخرى أكثر غرابة تؤدي دوراً في منع انهيارها إلى الأبد.
يمكن للثقوب السوداء الهائلة أن تسرّع الجسيمات إلى سرعة الضوء تقريباً
بحلول منتصف القرن العشرين، عرف العلماء بوجود حد أقصى لمقدار الجاذبية الذي يمكن لهذه القوى الغريبة مقاومته. إذا كان النجم ضخماً بدرجة كافية منذ البداية، فسينهار في نهاية المطاف إلى نقطة متناهية الصغر. ستظل الكتلة الأصلية بكاملها موجودة، لكنها مضغوطة إلى حالة ذات كثافة لا نهائية الارتفاع. بدا هذا مستحيلاً – خاصة لعلماء الرياضيات، الذين يكرهون وضع ”اللانهاية“ Infinity في معادلاتهم – لدرجة أن الكثيرين اعتقدوا أن نوعاً جديداً من الفيزياء سيأتي للإنقاذ لمنع الانهيار اللانهائي. لكن ذلك لم يحدث، وبحلول ستينات القرن العشرين، كان من المقبول عموماً كون هذه الظواهر المحيرة للعقل ممكنة بالفعل. وفي هذا الوقت تقريباً، اكتسبت الاسم الذي نعرفها به الآن: الثقوب السوداء.
قد يبدو الأمر بمثابة قفزة كبيرة إلى حد ما للانتقال من فكرة انضغاط المادة إلى نقطة متناهية الصغر إلى الحديث عن ”ثقب“ في الفضاء – وهو ثقب يمكن الوقوع فيه، ولكن لا يمكن الخروج منه أبداً. لكنها كانت خطوة منطقية يتوجب اتخاذها إذا فكرنا في كيفية عمل الجاذبية. في الحالة المألوفة للأرض، نعلم أن جاذبيتها تكون أقوى كلما اقترب الجسم من سطحها. ولهذا السبب، يتعين على محطة الفضاء الدولية، الواقعة على ارتفاع 250 ميلاً فوق السطح، أن تتحرك بسرعة عالية جداً لكي تظل في المدار، بحيث تكمل دورة كاملة خلال 90 دقيقة فقط. ومع ذلك، يمكن للأقمار الاصطناعية الموجودة على ارتفاع متزامن مع الأرض بقدر 22,000 ميل أن تدور بوتيرة أبطأ بكثير، فتستغرق يوماً كاملاً لإكمال المدار. هناك سرعة أخرى، أكبر بنحو %40 من السرعة المدارية، وهي أيضاً موضع اهتمام لمهندسي المركبات الفضائية. تُعرف هذه بـ”سرعة الإفلات“ Escape velocity، وهي السرعة التي يجب أن يتحرك بها الجسم من أجل التحرر من جاذبية الأرض والانطلاق في الفضاء. لا ينطبق هذا على الأرض وحدها، فجميع الأجرام الفلكية الأخرى لها سرعات الإفلات الخاصة بها. إنها كمية، مثل السرعة المدارية، تزيد كلما اقتربت من الجرم، كما إنها تزيد بمعدل متناسب مع كتلة الجرم.
هل كنتَ تعلم؟ فاز مكتشفو الرامي أ* (Sgr A*) بجائزة نوبل تقديراً لاكتشافهم هذا
ثقب أسود معروف على حافة الكون المرئي تقريباً
عندما يتحدث الناس عن حجم الثقب الأسود، فإنهم يشيرون غالباً إلى قطر أفق الحدث. أما الشيء الذي يخلق الثقب الأسود فعلياً، وهو التركيز الهائل للكتلة في مركزه والذي يُطلق عليه أحياناً اسم ”المفردي“ Singularity، فليس له حجم في الواقع. لكن هذه في الواقع مجرد تفصيلة تقنية لأنك لا تستطيع الاقتراب منه أبداً. حتى أفق الحدث نفسه ليس شيئاً كبيراً بشكل خاص عند مقارنته بأي جرم عادي له الكتلة نفسها. يمكننا أن نرى ذلك بمحاولة تخيّل ما تعنيه سرعة الإفلات التي تساوي سرعة الضوء. يدور مسبار باركر الشمسي Parker Solar Probe التابع لوكالة ناسا حالياً على مسافة نحو 3 أقطار شمسية فوق سطح الشمس بسرعة تقارب نصف مليون ميل في الساعة- ومن ثمَّ فإن سرعة الإفلات ستكون أسرع بنسبة %50 تقريباً من تلك السرعة. ولكن حتى هذه السرعة لا تتجاوز جزءاً من الألف من سرعة الضوء.
اتضح أنه بالنسبة إلى ثقب أسود افتراضي له كتلة الشمس نفسها، فإن أفق الحدث سيكون أقل من 4 أميال. إذا لم تكن محظوظاً بما يكفي لتدور حوله على تلك المسافة، فستسحبك كتلة الشمس بأسرها إلى هذا الحجم الصغير من الفضاء، وسيتعين عليك التحرك بسرعة أكبر من الضوء إذا أردت الإفلات منه.
المماثل في الكتلة لكتلة الأرض 1.75 سم
بين ثقبين أسودين هائلين في المجرة B2 0402+379
بكتلة تبلغ 10 أضعاف كتلة الشمس أو أكثر، وأفق حدث يبلغ عرضه نحو 50 ميل، كان الدجاجة إكس1- مطابقاً تماماً للتنبؤات النظرية لما قد يبدو عليه ثقب أسود لو تشكّل من انهيار نجم مرتفع الكتلة. وفي عام 1963، حتى قبل اكتشاف الدجاجة إكس1-، اكتشف علماء الفلك جرماً أبعد بكثير، هو 3C 273، ولم يتمكنوا من تفسير وجوده على الإطلاق. تبين لاحقاً أنه نجم زائف Quasar - وهو نوع من المجرات يوجد في مركزها مصدر للطاقة القوية بشكل لا يمكن تصوره. وبعد سنوات عديدة من الدراسة، أدرك الباحثون أن هذا أيضاً لابد أن يكون ثقباً أسود، لكنه ثقب أسود مذهل الحجم. لم تكن كتلته مجرد 10 أضعاف كتلة الشمس، بل تزيد عن بليون ضعف كتلتها. لقد اكتشف الفلكيون ثقباً أسود هائلاً.
تُعد النجوم الزائفة واحدة من أنواع عديدة من المجرات النشطة، والتي تقذف جميعها قدراً هائلاً من الطاقة من مناطقها المركزية، لدرجة أن علماء الفلك عرفوا منذ فترة أنها يجب أن تحتوي على ثقوب سوداء عملاقة لتزويدها بالطاقة. لكن الاكتشاف الأحدث هو أنه حتى المجرة العادية يمكن أن تحتوي على ثقب أسود مركزي كبير. في هذه الحالات، لا يوجد ما يكفي من المواد التي تسقط في الثقب الأسود لتوليد نوع الإشعاع الذي نراه منبعثاً من المجرات النشطة. وبدلاً من ذلك، تُستخدم هذه الطريقة الأخرى لاكتشاف الثقوب السوداء، عن طريق رصد حركة النجوم التي تدور حول الثقب الأسود. من خلال رصد النجوم في مراكز المجرات ”العادية“، يمكن للتلسكوبات فائقة القوة مثل تلسكوب هابل وتلسكوب جيمس ويب الفضائي إثبات أنه لابد من وجود ثقوب سوداء هائلة هناك أيضاً.
تعتبر مجرة درب التبانة نموذجية إلى حد ما للمجرات الحلزونية Spiral galaxies التي نراها في الكون من حولنا. تتمثل واحدة من الخصائص المشتركة بين معظم المجرات بأن كثافة النجوم والمواد الأخرى ترتفع بشكل حاد باتجاه المركز. يعني هذا أنه ستكون هناك دائماً كتلة هائلة متمركزة في المركز مباشرة، ولكن قد يصعب تحديد ما إن كان هذا ثقباً أسود أم مجرد تجمع كثيف جداً من النجوم. إن وجود مصدر راديوي قوي، يُسمى الرامي أ* (Sagittarius A*) أو Sgr A* اختصاراً، في مركز مجرة درب التبانة، يشير ضمناً إلى احتمال وجود ثقب أسود هناك، لكن وجوده لم يثبت إلا عندما لاحظ علماء الفلك نجوماً في تلك المنطقة تدور حول جرم غير مرئي بسرعة ثلث الضوء.
أنواع الثقوب السوداء
ثقب أسود ذو كتلة نجمية STELLAR-MASS BLACKHOLE
ثقب أسود ذو كتلة نجمية STELLAR-MASS BLACKHOLE
1 نطاق الكتلة الشمسية: 5 إلى 100
تلك هي الثقوب السوداء الكلاسيكية كما وضعت نظرياً في الأصل، والناتجة من انهيار جاذبية النجوم الهائلة الحجم في نهاية حياتها. قد توجد الملايين منها في مجرة درب التبانة وحدها، على الرغم من أنه لا يمكن اكتشافها عادة إلا عندما تكون جزءاً من نظام نجمي ثنائي .Binary system
ثقب أسود متوسط الكتلة Intermediate – Mass Blackhole
2 نطاق الكتلة الشمسية: 100 إلى 10,000
يعتقد العلماء بوجود ثقوب سوداء بهذا النطاق من الكتلة، وأنها تكونت نتيجة لاندماج اثنين أو أكثر من الثقوب السوداء ذات الكتلة النجمية. لا يُعرف سوى القليل عنها بسبب صعوبة اكتشافها، ولكن لوحظ نحو 300 مرشح منها.
ثقب أسود فائق العملقة Supermassive Blackhole
3 نطاق الكتلة الشمسية: 10,000 إلى +1,000,000,000
من المعروف الآن أن غالبية المجرات لديها ثقب أسود واحد من هذا النوع في مراكزها أو بالقرب منها. يرجّح أنها تشكلت في وقت مبكر جداً من تاريخ الكون ثم ازداد حجمها لاحقاً بفعل تراكم النجوم المحيطة وأجرام أخرى.
مقارنة بين الثقوب السوداء الفائقة العملقة
ألق نظرة على بعض أكبر الثقوب السوداء الهائلة التي اكتُشفت حتى الآن
فسيمر عبرها دون أن يسبب أي ضرر تقريباً.
1 تي أو إن 618 (TON 618)
الكتلة: 40 بليون كتلة شمسية
المسافة من الأرض: 18.2 بليون سنة ضوئية
يعد تونانتازينتلا 618 (Tonantzintla 618)إذا استخدمنا اسمه الكامل، واحداً من أبعد النجوم الزائفة المعروفة. يطلق 40 ديشليون ميغاوات، أو 140 تريليون ضعف الطاقة التي تنتجها الشمس، وهو أحد أسطع الأجرام في الكون.
2 أو جي 287 (OJ 287)
الكتلة: 18 بليون كتلة شمسية
المسافة من الأرض: 3.5 بليون سنة ضوئية
نوع آخر من المجرات النشطة، القريبة من النجوم الزائفة ولكنها أكثر تغيراً بكثير، والمعروفة بجرم بي إل العظاءة BL Lacertae. وهي تضم في الواقع ثقبين أسودين فائقي العملقة، يبلغ حجم الثاني منهما150 مليون ضعف كتلة الشمس فقط.
3 ميسييه 87 (Messier 87)
الكتلة: 7 بليون كتلة شمسية
المسافة من الأرض: 53 مليون سنة ضوئية
هذه المجرة الإهليلجية العملاقة هي أكبر أعضاء عنقود العذراء Virgo Cluster. تصدّر ثقبها الأسود المركزي عناوين الأخبار في عام 2019 باعتباره أول ثقب أسود يصوّره تلسكوب أفق الحدث.
4 الدجاجة أ CYGNUS A
الكتلة: 1 بليون كتلة شمسية
المسافة من الأرض: 760 مليون سنة ضوئية
هذه المجرة هي واحدة من أقوى مصادر أشعة الراديو في السماء. على هذا النحو، رصدت لأول مرة بواسطة التلسكوبات الراديوية المبكرة منذ عام 1939، قبل وقت طويل من فهم طبيعتها الحقيقية.
5 3 سي 273 (3C 273)
الكتلة: 0.9 بليون كتلة شمسية
المسافة من الأرض: 2.4 بليون سنة ضوئية
أول نجم زائف اكتُشف على الإطلاق، ولا يزال أسطع نجم يمكن رؤيته في سمائنا، فهو ساطع بما يكفي لرؤيته حتى باستخدام تلسكوب بسيط، مما يجعله أبعد جرم يمكن أن يرصده الفلكيون الهواة.
عندما تمزق الثقوب السوداء النجوم إرباً، يعرف ذلك بـ”التأثيرات المعكرونية“
أصغر الثقوب السوداء
على الرغم من أنه لم يُعثر أحد على أحدها من قبل، فمن المحتمل أن توجد في الكون ثقوب سوداء منخفضة الكتلة جداً. وفقا للنظريات القياسية لعلم الكونيات، يحتمل أن تكون الثقوب السوداء أياً كانت كتلتها قد تكوّنت في الثانية الأولى بعد الانفجار الكبير Big Bang. يُشار إلى هذه بـ”الثقوب السوداء البدئية“ Primordial black holes، ولم يتمكن أصغرها من البقاء حتى يومنا هذا، لكن تلك التي يزيد وزنها عن تريليون كغم أو نحوه ربما نجت. تعادل هذه الكتلة تقريباً كتلة كويكب نمطي، أو كتلة جبل على الأرض، لكن ثقباً أسود بهذه الكتلة سيكون له أفق حدث أصغر من حجم البروتون Proton – وهو الجسيم دون الذري الموجود في أنوية الذرات. وهذا صغير بما يكفي ليخضع لتأثيرات ميكانيكا الكم، ويشار أحياناً إلى الثقوب السوداء بهذا الحجم باسم ”الثقوب السوداء الكمّية“ Quantum black holes.
شبكة تلسكوب أفق الحدث العالمية
تلسكوبات تعمل معاً حول العالم
1 صحراء أتاكاما، تشيلي Atacama Desert, Chile
2 بيكو دي فاليتا، إسبانيا Pico de Valeta, Spain
3 ماونا كيا، هاواي Mauna Kea, Hawaii
4 سييرا نيغرا، المكسيك Sierra Negra, Mexico
5 ماونت غراهام، أريزونا Mount Graham, Arizona
6 محطة القطب الجنوبي South Pole Station
دحض خرافات الثقوب السوداء الفائقة العملقة
ندحض بعض المفاهيم الخاطئة الشائعة حول هذه الأجرام السماوية الهائلة
1 إنها أكلة لا تشبع
لا تبتلع الثقوب السوداء إلا النجوم والأجرام الأخرى التي تقترب منها بما يكفي لسحبها إليها بفعل الجاذبية؛ فهي لا تبذل قصارى جهدها للعثور على مادة ”لأكلها“. تدور الكثير من النجوم ببساطة بالقرب من الثقب الأسود لملايين السنين دون أن تُبتلع.
2 إنها غير مرئية
على الرغم من عدم بزوغ أي ضوء من داخل الثقب الأسود نفسه، إلا أنه غير مرئي على الإطلاق. كثيراً ما يوجد خارج أفق الحدث قرص شديد السخونة من الغاز، والذي قد يمثّل مصدراً قوياً للإشعاع الكهرومغناطيسي. في الواقع، تعد بعض الثقوب السوداء من بين أكثر الأجرام سطوعاً في الكون.
3 إنها هائلة الحجم
تأتي هذه الخرافة من سوء تفسير مصطلح ”فائق العملقة“ Supermassive، والذي يشير إلى كتلة الثقب الأسود وليس حجمه. في الواقع، الثقوب السوداء ضئيلة جداً في الحجم، فهي أصغر بكثير من أي جرم عادي، مثل عنقود نجمي كثيف، بالكتلة نفسها.
4 إنها ستمتص كل شيء
ربما كانت هذه هي الخرافة الأكثر انتشاراً على الإطلاق، وهي خاطئة تماماً. تتفاعل الثقوب السوداء مع المواد الأخرى فقط من خلال سحبها الثقالي Gravitational pull، والذي يعمل بطريقة جاذبية أي جرم آخر له الكتلة نفسها حتى يقترب من أفق الحدث.
5 إنها بوابات الزمكان
شاعت هذه الخرافة بسبب ظهورها في العديد من أفلام الخيال العلمي. صحيح أن بعض العلماء اقترحوا شيئاً كهذا في الماضي، لكنها نظريات هامشية ليس لها دليل من المشاهدات، ومن ثمَّ فهي غير مقبولة على نطاق واسع.
6 إنها تسحق الأجسام الساقطة
من المفارقة أن الأجسام الساقطة لا تشعر بقوة الجاذبية، حتى الجاذبية الهائلة للثقب الأسود. ولكن إذا سقطت على قدميك أولاً، فإن القوة الواقعة على قدميك ستكون أقوى بكثير من تلك التي نصيب رأسك- فبدلاً من أن تُسحق، ستمدّد وتمزّق.
تلسكوب أفق الحدث
في أيامنا هذه، ليس من الصعب كثيراً على علماء الفلك أن يثبتوا وجود ثقب أسود فائق العملقة عن طريق رصد تأثيراته على النجوم والمواد الأخرى المحيطة به. لكن التقاط صورة مباشرة لثقب أسود أمر آخر. تتعلق المشكلة الأكبر بما يسميه علماء الفلك ”الدقة الزاويّة“ Angular resolution – وهي قدرة التلسكوب على رؤية الأجرام الصغيرة فعلياً من مسافة بعيدة. ومن أمثلة ذلك محاولة تصوير برتقالة على سطح القمر. لقد اتضح أنه حتى الثقوب السوداء الفائقة العملقة ”الأسهل“ – مثل الرامي أ* Sgr A* في مجرتنا أو الثقوب السوداء العملاقة في مجرة ميسييه 87 (Messier 87) – تناهز هذا المستوى من الصعوبة. من أجل التقاط صور لها، لا يتعين على علماء الفلك استخدام تلسكوب راديوي واحد فحسب، بل شبكة كاملة منها في معظم أنحاء الكوكب. تسمى هذه الشبكة تلسكوب أفق الحدث Event Horizon Telescope، أو EHT اختصاراً.