تلتهم الحيتان الزرقاء
4 أطنان من الكريل يومياً
في مياه البحر في معظم أنحاء العالم، تعيش كائنات مجهرية تسمى العوالق (البلانكتون) Plankton وتهيم مع التيار. وتؤدي العوالق دوراً حيوياً في الحفاظ على التوازن، ليس فقط في النظم الإيكولوجية البحرية، لكن أيضاً في تنظيم المناخ العالمي. تنقسم العوالق إلى فئتين مختلفتين: العوالق النباتية (فايتوبلانكتون) Phytoplankton والعوالق الحيوانية (زووبلانكتون) Zooplankton العوالق النباتية، والمعروفة أيضاً باسم الطحالب الدقيقة Microalgae، هي كائنات حية مليئة بالكلوروفيل Chlorophyll، والتي تعمل في المحيط بطريقة مشابهة للكيفية التي تعيش بها النباتات على الأرض. للحصول على الغذاء والطاقة، تقوم العوالق النباتية بالبناء الضوئي. تحوّل هذه اللافقاريات الصغيرة ضوء الشمس وثاني أكسيد الكربون المذاب في الماء إلى طاقة، وتُطلق الأكسجين كمنتج ثانوي. يعني احتياجها لضوء الشمس انجراف أعمدة من العوالق النباتية بالقرب من السطح، والتي تتنقل عبر العالم تحت رحمة
تيارات المحيط.
أما العوالق الحيوانية؛ فهي كائنات مجهرية تضم العديد من الحيوانات المختلفة، بما في ذلك يرقات الأسماك والديدان وحتى القواقع. أحد أشهر الكائنات المصنفة تحت مظلة العوالق الحيوانية هو الكريل Krill. باعتبارها الوجبة المفضلة للعديد من أنواع البطاريق والأسماك، إلى جانب أكبر حيوان في العالم، الحوت الأزرق Blue Whale (بالينوبتيرا موسكلوس) Balaenoptera Musculus، يمثل الكريل، وجميع العوالق الحيوانية الأخرى، مصدراً غذائياً مهماً في النظم الإيكولوجية البحرية.
هناك طريقة أخرى تؤدي بها العوالق دوراً بيئياً حيوياً بداخل دورة الكربون العالمية Global Carbon Cycle للأرض. باعتبارها مخزناً للكربون، تعد المحيطات أحد الأماكن العديدة التي يسحب فيها الكربون من الغلاف الجوي ويُخزّن. تعمل العوالق كنوع من الحزام الناقل للكربون، فتنقل أشكالاً مختلفة من هذا العنصر الكيميائي من السطح وتحوله عبر وسائل مختلفة، مثل التغوط أو الموت، في عملية تعرف بمضخة الكربون البيولوجية Biological Carbon Pump. تحوّل العوالق النباتية ثاني أكسيد الكربون الذائب في مياه البحر عبر البناء الضوئي إلى كربون عضوي لبناء أجسادها وهياكلها العظمية. عندما تؤكل تلك الأجساد أو تموت، ينتقل الكربون بطول سلاسل الغذاء البحرية حتى ينزل في النهاية إلى قاع المحيط، حيث يخزّن. تشير التقديرات إلى أن نحو 11 غيغاطن من الكربون تخزّن بداخل المحيط سنوياً.
”عندما يتعلق الأمر بالعوالق، أحياناً ما يكون هناك الكثير من الأمور الجيدة“
على الرغم من كل الفوائد التي تجلبها العوالق النباتية للبيئة، إلا أن هناك أيضاً بعض الآثار الجانبية السلبية المحتملة. عندما يتعلق الأمر بالعوالق، أحياناً ما يكون هناك الكثير من الأمور الجيدة. وعلى الرغم من أن هذه الكائنات المذهلة قادرة على الحفاظ على التوازن في النظم الإيكولوجية البحرية، فعندما تتزايد أعدادها بصورة مفرطة، يتغير التوازن، مع ما يترتب على ذلك من عواقب كارثية محتملة. عندما تتزايد أعداد العوالق النباتية، قد يشكّل ذلك ما يعرف باسم تكاثر الطحالب الضارة Harmful Algal Bloom (اختصارا: التكاثر Hab). تنتج بعض أنواع الطحالب سموماً؛ وعندما تُنتجها بكميات كبيرة، فمن الممكن أن تقتل العديد من أنواع الأسماك والثدييات البحرية. وبالمثل، فبعض أنواع تكاثر الطحالب الضارة يستهلك الأكسجين من الماء، مما يسبب استنزافاً شديد للأكسجين، فيما يعرف بنقص الأكسجة Hypoxia. كما إن تكاثر الطحالب الضارة مسؤول أيضاً عن انسداد خياشيم العديد من أنواع الأسماك، مما يسبب موتها في نهاية المطاف.
في السنوات العشرين الأخيرة، تغير لون نصف محيطات العالم بسبب العوالق. إلى جانب ارتفاع درجة حرارة السطح، قد يؤثر التغير المناخي في طريقة اضطراب المغذيات في الماء، مما يؤثر في تجمعات العوالق النباتية. أشار باحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إلى أن ارتفاع درجات حرارة المحيطات يقلل من قدرة المغذيات البحرية على الامتزاج عبر المستويات العديدة للمحيط، مما يجبر العوالق على التغذي بالقرب من سطح الماء ويضفي على المياه الزرقاء مسحة من اللون الأخضر.
المساعدة في حل مشكلة البلاستيك
في ظاهر الأمر، قد تظن أن العوالق الحيوانية القادرة على مضغ البلاستيك ستغير قواعد اللعبة في مكافحة مشكلة البلاستيك في العالم. لكن باحثون بجامعة ماساتشوستس في أمهيرست اكتشفوا أن العوالق الحيوانية التي تسمى الدوارات (روتيفرز) Rotifers تجعل المشكلة أسوأ، وليس أفضل. عندما تواجه هذه الكائنات الدقيقة قطعة من البلاستيك، فإنها تفتتها إلى جزيئات بلاستيكية ضئيلة، يقل عرض بعضها عن ميكرون واحد، وهو جزء من الألف من الملليمتر. ويقدر الباحثون أن كل دوارة يمكنها إنتاج ما يصل إلى 366,000 قطعة من البلاستيك الدقيق Microplastic كل يوم. وإلى جانب التأثيرات السامة الأولية المحتملة للجسيمات البلاستيكية الدقيقة، فمن الممكن أن تؤثر أيضاً في قدرة بعض الأنواع البحرية على التكاثر والتنفس.
5 حقائق عن الاستخدامات البشرية للعوالق
1 الوقود الحيوي
منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، دُرست العوالق كوقود حيوي محتمل. من خلال عملية التخمير Fermentation، يمكن للعوالق النباتية إنتاج نوع من الكحول كوقود. لكن العلم وراءه ليس مثمراً بعد بما يكفي لاستبدال مصادر الوقود الأخرى.
2 مستحضرات التجميل
يشيع استخدام مستخلص العوالق، الذي غالباً ما يكون على شكل دهون وبروتينات، في العديد من مستحضرات التجميل المختلفة، مثل واقي الشمس والأمصال المضادة للشيخوخة، بسبب خصائصه المرطبة.
3 أدوية المستقبل
تُجرى حالياً أبحاث حول بعض السموم التي تطلقها العوالق النباتية لقدرتها على علاج العديد من الحالات والاضطرابات المزمنة، مثل داء السكري والسمنة والسرطان ومرض ألزهايمر (تنطق آلزايمر).
4 المكملات الغذائية
إلى جانب طعام الأسماك، توجد العوالق في المكملات الغذائية التي يمكن أن توفر فوائد صحية، بما في ذلك خصائص معينة تقلل الالتهاب في الجسم.
5 أجهزة مراقبة التلوث
استخدم باحثون في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو عينات العوالق التي جُمعت منذ عام 1931 لمقارنة تركيزات الملوثات الكيميائية في المحيطات وتحديد المناطق التي يكون فيها التلوث أكبر.