رؤية النجوم في ضوء جديد
يتيح لنا التلسكوب المثبّت على أحد جبال تشيلي رصد النجوم والكواكب وهي تتشكل في أبعد أجزاء الكون
بقلم: د. أليستر غان
هناك طرق عديدة للنظر إلى الكون. يمكننا دراسة الضوء البصري الذي نراه بأعيننا، أي الأشعة تحت الحمراء التي قد نشعر بها كحرارة أو أشعة فوق بنفسجية تسبب اسمرار البشرة Suntan. كل هذه تشكّل جزءاً من الطيف الكهرومغناطيسي وتتميز ”بالطول الموجي“ Wavelength لإشعاعها.
ولكن التلسكوب الذي شيّد في صحراء أتاكاما في تشيلي، وهو مصفوف مرصد أتاكاما الملليمتري/تحت الملليمتري الكبير (مرصد ألما) ،Atacama Large Millimeter/submillimeter Array (ALMA)مصمّم لمراقبة السماء بالأطوال الموجية الملليمترية، التي تقع بين موجات الأشعة تحت الحمراء وتلك الراديوية. وهذا ما يجعل مرصد ألما فريداً من نوعه، وقادراً على استكشاف الكون بطرق لم تكن ممكنة في السابق.
يأتي الإشعاع الملليمتري Millimeter radiation عموماً من الأجرام الباردة غير المرئية في الضوء البصري. اكتشف مرصد ألما البنية الكيميائية المعقدة للسحب الجزيئية العملاقة التي تغزو مجرتنا. فقد التقطت تفاصيل الغبار والغازات الناتجة عن النجوم المتفجرة في المراحل المبكرة جداً من الكون، والتقطت سمات النجوم والكواكب أثناء تكوّنها. الأطوال الموجية الملليمترية أطول بآلاف المرات من مثيلاتها في الضوء البصري. تُقاس دقة التلسكوب بعدد الأطوال الموجية التي تتناسب مع قطره، لذلك يجب أن يكون عرض مرصد ألما عدة مئات من الأميال لبلوغ التفاصيل نفسها التي يراها التلسكوب البصري. للتغلب على ذلك، يستخدم مجموعة من الهوائيات المنفصلة التي تدمج إشاراتها بذكاء لمحاكاة ما يمكن رؤيته باستخدام طبق واحد عملاق. إجمالاً، هناك 54 طبقاً قطره 12 متراً و12 طبقاً قطره 7 أمتار، موزعة على مساحة 9.9 ميل.
”يقع مرصد ألما على ارتفاع 5,000 مترٍ فوق مستوى سطح البحر في واحد من أشد المواقع جفافاً على الأرض“
كلف بناء مرصد ألما ما بين 1.4 و1.5 بليون دولار، مما جعله أغلى تلسكوب أرضي قيد التشغيل. يقع المرصد على ارتفاع 5,000 م فوق مستوى سطح البحر في واحد من أشد المواقع جفافاً على الأرض، مما يساعد على جعل مناظره أوضح. كما أن هذا يضعه فوق %40 من الغلاف الجوي للأرض، الذي قد يشوه صور التلسكوب، و95% من بخار الماء الذي يمتص الإشعاع المهم جداً.
أولى المجرات
معظم الضوء المنبعث عن النجوم والمجرات الأولى، والذي تشكّل بعد بضع مئات الملايين من السنين من الانفجار الكبير Big Bang، قد امتد إلى الأطوال الموجية الملليمترية وتحت (دون) الملليمترية. يكتشف مرصد ألما وهج الغبار الدافئ المنبعث منها، مما يزودنا بمعلومات مهمة عن كيفية تشكلها.
تشكّل النجوم
على عكس الضوء المرئي، فإن الأطوال الموجية لمرصد ألما لا تعترض سبيلها الغازات والغبار. يمكن للمرصد رؤية المناطق الكثيفة والمغبرة التي تتشكل فيها النجوم والكواكب. تمكّن علماء الفلك بالفعل من رصد الكواكب وهي في طور التشكّل والنمو والاحترار من الحطام في النظم الشمسية الجديدة.
غبار الفضاء
اكتُشفت في الفضاء مركبات عضوية معقدة، بما في ذلك الأحماض الأمينية Amino acids والسكر. زودنا مرصد ألما بمعلومات مهمة حول كيمياء الكون المعقدة ويساعد على رسم خريطة لتوزيع الجزيئات وحبيبات الغبار في جميع أرجاء درب التبانة Milky Way.
علم الفلك في الظروف المتطرفة
إن العمل في تلسكوب ألما في تشيلي، على ارتفاع 5,000 م فوق مستوى سطح البحر، ليس بالأمر السهل – فهو يقع في واحدة من أشد الأماكن تطرفاً على وجه الأرض. الهواء هناك رقيق جداً مما يجعل التنفس صعباً، لذا يمارس العديد من الفلكيين عملهم وهم يحملون خزانات الأكسجين على ظهورهم. وكذلك يتوجب على أي زائر للموقع أن ينام ليلة واحدة على الأقل في بلدة مجاورة للتعود على انخفاض مستويات الأكسجين، فضلا عن الخضوع لفحص طبي.