يُعد العمل كرائد فضاء Astronaut واحدة من المهن المرموقة والأكثر طلباً في العالم، حيث يتقدم الآلاف لكل وظيفة شاغرة. لكن ما الذي تنطوي عليه الوظيفة في الواقع؟ في هذا الملف، سنلقي نظرة على الروتين اليومي لطاقم محطة الفضاء الدولية International Space Station (اختصاراً: المحطة ISS). لا يوجد يومان متماثلان تماماً في محطة الفضاء الدولية، وحتى في أي يوم بعينه، يتوجد على أفراد الطاقم المختلفين أداء مهام مختلفة. لكن يوم العمل النموذجي يتمحور حول ورديتي عمل- واحدة في الصباح والأخرى بعد الظهر- مع استراحة بينهما لمدة ساعة لتناول وجبة الغداء. يتضمن نشاط العمل الرئيسي طيفاً من الأبحاث العلمية، على الرغم من أنه ينبغي أيضاً إجراء بعض أعمال الصيانة الروتينية.
وفي بعض الأحيان، يتوجب تنفيذ بعض الأعمال على السطح الخارجي للمحطة، مما يعني ارتداء بذلة فضائية والخروج للسير في الفضاء Spacewalk. من المؤكد أن عمليات السير في الفضاء تتصدر عناوين الأخبار لكونها أكثر جاذبية من العمل داخل المحطة، لذلك قد يتكون لدى الناس انطباع بأنها تحدث بوتيرة أكبر مما هي عليه بالفعل. لكن في الواقع، تعتبر عمليات السير في الفضاء باهظة الثمن وتستغرق وقتاً طويلاً ويرجح أن تكون خطيرة، لذا لا تُنفذ إلا في حالات الضرورة القصوى- على النقيض تماماً من نمط الحياة ”اليومية“ في الفضاء التي يركز عليها هذا الملف. دعونا نضع عمليات السير في الفضاء جانباً ونلقي نظرة على الروتين اليومي المعتاد لرواد الفضاء- بداية من تنظيف أسنانهم بالفرشاة في الصباح وحتى خلودهم إلى النوم ليلاً.
استخدام المرحاض
تتسم بعض المهام اليومية الأساسية بصعوبة أكبر في الفضاء بسبب الجاذبية الصغرى. عند استخدام المرحاض العادي، مثلاً، تضمن قوة الجاذبية وصول الفضلات إلى المكان المقصود، بدلاً من أن تطفو في كل مكان. أما المراحيض الفضائية فيجب أن تستخدم قوة الشفط، مثل المكنسة الكهربائية، لتحقيق التأثير نفسه. يعتمد الدوش Shower أيضاً على الجاذبية، لتوصيل المياه إليك في المقام الأول ثم إبعادها عن جسمك قبل تصريفها في البالوعة. جرّبت وكالة ناسا ذات مرة استخدام ”دوش فضائي“ عالي التقنية، لكن استخدامه استغرق أكثر من ساعتين. وحالياً، يكتفي رواد الفضاء بفرك الصابون السائل على جلدهم، واستخدام الشامبو من دون شطف على شعرهم، قبل تجفيف أنفسهم بالمنشفة.
مقصورتها الشخصية على محطة الفضاء الدولية
النوم في الفضاء
لكل من أفراد الطاقم في محطة الفضاء الدولية مقصورة صغيرة خاصة به مع كيس نوم مثبت بقوة، مما يمكّنه من النوم بشكل مريح دون أن يطفو في الجاذبية الصغرى. لكن هناك بعض المخاطر المرتبطة بالنوم في الفضاء، والتي لا تؤثر علينا هنا على الأرض. أولها هو نوع شخصي من ”عروض الألعاب النارية“: وهي ومضات مفاجئة وساطعة من الضوء، يمكن رؤيتها حتى مع إغلاق العينين، والتي تسببها الأشعة الكونية وقد تكون مصدراً مزعجاً لاضطرابات النوم. ينشأ الخطر الثاني في الجاذبية الصغرى لأن ثاني أكسيد الكربون المنبعث من الزفير يمكن أن يظل قريباً من وجه رائد الفضاء إذا نام في منطقة تتسم بدوران ضعيف للهواء، مما يصيبه بصداع شديد.
العيش في ظل الجاذبية الصغرى
بعض سمات الحياة اليومية في محطة الفضاء الدولية غريبة، لكنها ليست فريدة من نوعها. يشبه انعزال الطاقم وحاجتهم إلى إمدادات طويلة الأمد ومستقلة Self-contained من الهواء والماء والطعام، مع الحياة على متن غواصة. لكن الشيء الوحيد الفريد حقاً بشأن الحياة في الفضاء هو الغياب شبه الكامل لأي قوة محسوسة للجاذبية- وهي حالة تشير إليها وكالة ناسا بالجاذبية الصغرى (انعدام الوزن) Microgravity. لا تنتج هذه الظاهرة عن غياب الجاذبية. إذا أمكنك بناء برج بارتفاع 250 ميل، ستكون قمته بارتفاع محطة الفضاء الدولية نفسها تقريباً. وهناك، ستبلغ قوة الجاذبية التي ستشعر بها نحو 90% من قيمتها عند مستوى الأرض، وإذا ترجلت منه، ستسقط عائداً إلى الأرض. تقع محطة الفضاء الدولية تحت الجاذبية باستمرار، لكنها أيضاً تتحرك أفقياً بسرعة عالية جداً. وهذا يوازن تأثير السقوط بدرجة كافية لإبقائها في مدار دائري. ونظراً لأن المحطة وكل شيء بداخلها يتشارك الحركة نفسها، فإنها تبدو وكأنها ”عديمة الوزن“ بالنسبة إلى بعضها بعضا.
يعد وجود بيئة الجاذبية الصغرى في محطة الفضاء الدولية أحد الأسباب الرئيسية لوجودها. المحطة في الأساس هي مختبر علمي يمكن فيه دراسة تأثيرات الجاذبية الصغرى بالتفصيل – على كل شيء بداية من صحة الإنسان وحتى عمليات التصنيع. لكن فيما يتعلق بالحياة اليومية لأفراد الطاقم، تجعل الجاذبية الصغرى المهام الأساسية مثل الأكل والنوم واستعمال المرحاض أصعب بكثير مما هي عليه على الأرض. وكذلك قد يكون الأمر مربكاً جداً لأنه لم يعد هناك شيء مثل ”أعلى“ أو ”أسفل“. ليس هذا هو الحال في أجهزة المحاكاة المستخدمة للتدريب على الأرض، ولذلك فعلى الرغم من معرفتهم بتلك الأخيرة عن ظهر قلب، كثيراً ما يتوه القادمون الجدد بسبب فشلهم في التعرف على غرفة لم يروها إلا مقلوبة. ثمة نتيجة أخرى للجاذبية الصغرى، وهي أن الأجسام لا تسقط على الأرض عندما تتركها، بل تظل طافية في الهواء. بعد قضاء 6 أشهر في المحطة، ينسى رواد الفضاء أحياناً أن هذا لا يحدث هنا على الأرض وينتهي بهم الأمر بإسقاط الأشياء نتيجة لذلك.
تفرض البيئة الفضائية عدداً من القيود على ما يمكن أن يأكله رواد الفضاء
1 مذاق قوي
يؤدي انزياح السوائل في حالة الجاذبية الصغرى إلى تقليل حساسية براعم التذوق لدى رواد الفضاء، مثلما يحدث عند الإصابة بنزلة برد، لذلك يفضلون الطعام الحار جداً.
2 مُغذ
من المهم للجميع تناول طعام صحي، ورواد الفضاء ليسوا استثناءً.
3 مضغوط الحجم
المساحة داخل محطة الفضاء الدولية محدودة وتمتلئ بالمعدات وأماكن المعيشة، لذلك فالطعام المضغوط الحجم ضروري.
4 خفيف الوزن
يجب أن يكون الطعام الفضائي خفيفاً بقدر الإمكان لتقليل وقود الصواريخ اللازم لإطلاقه في المدار.
5 لا يتفتت
يطفو الفتات في كل مكان في ظل الجاذبية الصغرى، لذا فإن الطعام الرطب واللزج مفضل عن ذلك الجاف والقابل للتفتت.
6 فترة صلاحية طويلة
كثيراً ما يمضي شهران أو أكثر بين مهام إعادة الإمداد، لذا يجب أن تتسم الأطعمة على متن محطة الفضاء الدولية بفترة صلاحية طويلة.
نظام إدارة النفايات العالمي لوكالة ناسا
نظرة على أحدث جيل من المراحيض الفضائية التي ركّبت في محطة الفضاء الدولية في عام 2020
1 المقعد SEAT
فيما يُعد تحسيناً كبيراً عن التصميمات السابقة، صمّم المقعد خصيصاً ليكون مريحاً لرواد الفضاء من الجنسين.
2 المُرشّح FILTER
لمنع ظهور رائحة كريهة من الحاوية عند امتلائها، صمّم هذا المُرشّح لقتل البكتيريا المسببة للروائح.
3 حاوية النفايات WASTE CONTAINER
تدخل النفايات الصلبة إلى هذه العلبة، التي تمتلئ بعد نحو 30 استخداماً ثم تُقذف في الفضاء.
4 خرطوم الشفط SUCTION HOSE
يُستخدم لجمع البول، والقمع الموجود في النهاية مصمم للاستخدام من قبل رواد الفضاء من الجنسين.
5 تخزين البول URINE STORAGE
للماء الذي يحتوي عليه البول قيمة كبيرة جداً لذلك لا يمكن التخلص منه، فهو يخزّن وينقّى قبل إعادة استخدامه.
6 قيد لأصابع القدمين TOE RESTRAINTS
يضع رواد الفضاء أقدامهم هنا للتأكد من عدم طفوهم بعيداً أثناء استخدامهم للمرحاض.
خمسة رواد فضاء يتحدثون عن التعامل مع الجاذبية الصغرى على متن محطة الفضاء الدولية.
1 رائد الفضاء الأمريكي فيكتور غلوفر VICTOR GLOVER
”إن الطفو لفترة طويلة أمر مدهش حقاً. يحاول عقلي باستمرار معرفة أي اتجاه يشير نحو الأعلى. إنه تحدٍ مشوّق، وأجده مسلياً بعض الشيء“.
2 رائدة الفضاء الأمريكية سونيتا ويليامز SUNITA WILLIAMS
”يشبه الأمر كونك سمكة، حيث يمكنك التقاط الطعام في فمك بسهولة لأنه معلق في الهواء، تماماً كما الحال عندما تضع الطعام في حوض السمك“.
3 رائد الفضاء الكندي كريس هادفيلد CHRIS HADFIELD
”الأمر الرائع في الفضاء هو أنك عندما ترتدي بنطالك هنا، يمكنك ارتداؤه في القدمين في الوقت نفسه“.
4 رائدة الفضاء الأمريكية آن ماكلين ANNE MCCLAIN
”إنك تطفو بصورة ما داخل كيس نومك… يطفو ذراعاك إلى الأعلى، لذلك تبدو كالزومبي إلى حد ما“.
5 رائد الفضاء البريطاني تيم بيك TIM PEAKE
”تكون الجاذبية مروعة عندما تعود إلى الأرض، إلا في حالات قليلة. عندما يتعلق الأمر باستخدام المرحاض، تكون الجاذبية في صفك“.
بقلم: أندرو ماي
