أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فضاء

الثقوب السوداء تواصل ”تجشؤ“ النجوم التي دمرتها قبل سنوات

هل كنتَ تعلم؟ تعادل كتلة أكبر
ثقب أسود معروف 30 بليون شمس

ما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬نصف‭ ‬الثقوب‭ ‬السوداء‭ ‬التي‭ ‬تلتهم‭ ‬النجوم‭ ‬”تتجشأ“‭ ‬بقاياها‭ ‬النجمية‭ ‬بعد‭ ‬سنوات. ‬توصل‭ ‬علماء‭ ‬الفلك‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الاكتشاف‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬قضوها‭ ‬في‭ ‬مراقبة‭ ‬الثقوب‭ ‬السوداء‭ ‬المكتنفة‭ ‬في‭ ‬أحداث‭ ‬التمزق‭ ‬المدّي ‬Tidal‭ ‬disruption‭ ‬events‬ (اختصارا: ‬الأحداث TDEs‭‬). وتقع‭ ‬أحداث‭ ‬التمزق‭ ‬المدّي‭ ‬عندما‭ ‬تقترب‭ ‬النجوم‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬ينبغي‭ ‬من‭ ‬الثقوب‭ ‬السوداء. ‬تمارس‭ ‬الجاذبية‭ ‬الهائلة‭ ‬لهذه‭ ‬الوحوش‭ ‬الكونية‭ ‬قوى‭ ‬مدّية‭ ‬مذهلة‭ ‬تسبب‭ ‬تمدد‭ ‬النجوم‭ ‬وعصرها‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬تسمى‭ ‬”صنع‭ ‬السباغيتي“ ‭ .‬Spaghettification‭‬تتمزق‭ ‬النجوم‭ ‬التعسة‭ ‬في‭ ‬أحداث‭ ‬التمزق‭ ‬المدّي‭ ‬أو‭ ‬”تتفكك“‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬ساعات،‭ ‬ويتضح‭ ‬ذلك‭ ‬بظهور‭ ‬وميض‭ ‬قوي‭ ‬من‭ ‬الإشعاع‭ ‬الكهرومغناطيسي‭ ‬في‭ ‬الضوء‭ ‬المرئي‭.‬

تلفظ‭ ‬بعض‭ ‬المواد‭ ‬النجمية‭ ‬للنجم‭ ‬المدمّر‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الثقب‭ ‬الأسود،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يشكل‭ ‬الباقي‭ ‬حوله‭ ‬بنية‭ ‬رقيقة‭ ‬تشبه‭ ‬لعبة‭ ‬الطبق‭ ‬الطائر (الفريسبي) Frisbee ‬تسمى‭ ‬قرص‭ ‬التراكم ‬Accretion‭ ‬disc‬، والذي‭ ‬يقذف‭ ‬بتلك‭ ‬المادة‭ ‬تدريجياً‭ ‬إلى‭ ‬الثقب‭ ‬الأسود. ‬في‭ ‬أيامه‭ ‬الأولى،‭ ‬كان‭ ‬قرص‭ ‬الارتكام‭ ‬غير‭ ‬مستقر،‭ ‬فيما‭ ‬تتحرك‭ ‬المادة‭ ‬وترتطم‭ ‬بنفسها،‭ ‬مسببة‭ ‬تدفقات‭ ‬خارجة‭ ‬Outflows‭ ‬يمكن‭ ‬اكتشافها‭ ‬بواسطة‭ ‬موجات‭ ‬الراديو. ‬لكن‭ ‬علماء‭ ‬الفلك‭ ‬تقليدياً‭ ‬لا‭ ‬يرصدون‭ ‬هذه‭ ‬الثقوب‭ ‬السوداء‭ ‬الآكلة‭ ‬للنجوم‭ ‬سوى‭ ‬لبضعة‭ ‬أشهر‭ ‬فقط‭ ‬بعد‭ ‬أحداث‭ ‬التمزق‭ ‬المدّي‭.‬

في‭ ‬دراسة‭ ‬جديدة،‭ ‬رصد‭ ‬علماء‭ ‬الفلك‭ ‬الثقوب‭ ‬السوداء‭ ‬المكتنفة‭ ‬في‭ ‬أحداث‭ ‬التمزق‭ ‬المدّي‭ ‬لمئات‭ ‬الأيام،‭ ‬فوجدوا‭ ‬أنه‭ ‬فيما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬%50‭ ‬من‭ ‬الحالات،‭ ‬”تجشأت”‭ ‬الثقوب‭ ‬السوداء‭ ‬المادة‭ ‬النجمية‭ ‬بعد‭ ‬سنوات. ‬قالت‭ ‬إيفيت‭ ‬سينديس ‭،Yvette‭ ‬Cendes‬ الباحثة‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬هارفارد‭- ‬سميثسونيان‭ ‬للفيزياء‭ ‬الفلكية: ‬”إذا‭ ‬نظرت‭ ‬إليها‭ ‬بعد‭ ‬سنوات،‭ ‬ستجد‭ ‬أن‭ ‬جزءاً‭ ‬كبيراً‭ ‬جداً‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الثقوب‭ ‬السوداء‭ ‬العديمة‭ ‬الانبعاث‭ ‬الراديوي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأوقات‭ ‬المبكرة‭ ‬’ستُفعَّل‘ ‭‬Switch‭ ‬on‬ فجأة‭ ‬في‭ ‬موجات‭ ‬الراديو“‭. ‬

أعيد‭ ‬انبعاث‭ ‬هذه‭ ‬المادة‭ ‬في‭ ‬10‭ ‬من‭ ‬الثقوب‭ ‬السوداء‭ ‬البالغ‭ ‬عددها‭ ‬24‭ ‬ثقباً‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬تراوحت‭ ‬بين‭ ‬2‭-‬6‭ ‬سنوات‭ ‬بعد‭ ‬الأحداث‭ ‬المدمرة‭ ‬للنجوم. ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬سينديس‭ ‬وفريقها‭ ‬سبب‭ ‬”تفعيل“‭ ‬الثقوب‭ ‬السوداء‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬عديدة،‭ ‬لكن‭ ‬أياً‭ ‬كان‭ ‬السبب‭ ‬فمن‭ ‬المؤكد‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬الثقوب‭ ‬السوداء. ‬تتميز‭ ‬الثقوب‭ ‬السوداء‭ ‬بأفق‭ ‬الحدث ‭،‬Event‭ ‬horizon‬ وهي‭ ‬النقطة‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬فيها‭ ‬الجاذبية‭ ‬قوية‭ ‬جداً‭ ‬لدرجة‭ ‬أنه‭ ‬حتى‭ ‬الضوء‭ ‬لا‭ ‬يمكنه‭ ‬الإفلات‭ ‬منها. ‬قالت‭ ‬سينديس: ‬”الثقوب‭ ‬السوداء‭ ‬هي‭ ‬بيئات‭ ‬ذات‭ ‬جاذبية‭ ‬شديدة‭ ‬جداً‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتجاوز‭ ‬أفق‭ ‬الحدث،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬السبب‭ ‬الحقيقي‭ ‬وراء‭ ‬ذلك. ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬نفهم‭ ‬تماماً‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬المادة‭ ‬التي‭ ‬رصدت‭ ‬في‭ ‬موجات‭ ‬الراديو‭ ‬قادمة‭ ‬من‭ ‬قرص‭ ‬التراكم‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬خزّنت‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬ما‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬الثقب‭ ‬الأسود. ‬لكن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬الثقوب‭ ‬السوداء‭ ‬ملتهمة‭ ‬فوضوية“‭.‬

ينبع‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الغموض‭ ‬من‭ ‬النماذج‭ ‬الحاسوبية‭ ‬التي‭ ‬تحاكي‭ ‬أحداث‭ ‬التمزق‭ ‬المدّي،‭ ‬والتي‭ ‬تنتهي‭ ‬عادة‭ ‬بعد‭ ‬أسابيع‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬تدمير‭ ‬النجم. ‬يشير‭ ‬البحث‭ ‬الجديد‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬النماذج‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬التحديث‭ ‬لاكتشاف‭ ‬بعض‭ ‬السلوكيات‭ ‬غير‭ ‬المتوقعة‭ ‬للثقوب‭ ‬السوداء. ‬فمثلاً،‭ ‬في‭ ‬حالتين‭ ‬اثنتين‭ ‬بلغت‭ ‬الموجات‭ ‬الراديوية‭ ‬المنبعثة‭ ‬من‭ ‬الثقوب‭ ‬السوداء‭ ‬ذروتها،‭ ‬ثم‭ ‬تلاشت‭ ‬ثم‭ ‬بلغت‭ ‬ذروتها‭ ‬مرة‭ ‬أخرى. ‬قالت‭ ‬سينديس: ‬”كانت‭ ‬هناك‭ ‬ذروة‭ ‬ثانية‭- ‬إذ‭ ‬عاود‭ ‬الثقبان‭ ‬الأسودان‭ ‬السطوع‭ – ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬جديد‭ ‬تماماً‭ ‬وغير‭ ‬متوقع. ‬ظن‭ ‬الباحثون‭ ‬أنك‭ ‬سترى‭ ‬تدفقاً‭ ‬خارجياً‭ ‬واحداً،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينتهى‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما. ‬لذا،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬المشاهدة‭ ‬تعني‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الثقوب‭ ‬السوداء‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬’تفعّل‘‭ ‬ثم‭ ‬’تفعّل‘‭ ‬مرة‭ ‬أخرى. ‬وذكرت‭ ‬سينديس‭ ‬إن‭ ‬الفريق‭ ‬سيواصل‭ ‬رصد‭ ‬جميع‭ ‬الثقوب‭ ‬السوداء‭ ‬المسببة‭ ‬لأحداث‭ ‬التمزق‭ ‬المدّي،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬بعضها‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يزداد‭ ‬سطوعاً“‭.‬

بقلم: ‬روبرت‭ ‬ليا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى