هل يمكننا خلق الوعي؟
تحدثت مجلة «كيف تعمل الأشياء» إلى البروفيسور سوباش كاك حول تحديات بناء وعي اصطناعي.
يعمل البروفيسور كاك في جامعة ولاية أوكلاهوما بمدينة ستيلواتر في الولايات المتحدة. وإضافة إلى كونه خبيراً معروفاً في مجال الحوسبة الكمية والشبكات العصبية، فقد ألف 20 كتاباً، بما فيها «دائرة الذاكرة والعقل والذات» The Circle of Memory and Mind and Self.
من بين العوائق أمام تمكّن ذكاء اصطناعي من تحقيق الوعي، نجد «مشكلة التوقف» التي وضعها آلان تورينغ، والتي توضح أنه لا توجد خوارزمية مصممة من قبل البشر يمكنها إيقاف معالجتها عند نقطة عشوائية مثلما يمكن للدماغ البشري تنفيذه. وعلى الرغم من أن الخوارزميات الشائعة مثل الشبكات العصبية (التي يستخدمها برنامجا ديب مايند من غوغل وأليكسا من أمازون، مثلاً) مستوحاة من نظيراتها البيولوجية، فقد يكون الأمر هو أننا نفقد بعض التفاصيل المهمة ونحن نبسّط مساراتنا العضوية إلى سبل حاسوبية. مع وضع ذلك في الاعتبار، هل تشعر بأن أساليبنا الحالية تجاه الخوارزميات معقدة بما يكفي لخلق الوعي؟
«لا أعتقد أن هناك حاليًّا أي محاولة جادة لصنع آلات واعية على غرار البشر. وبالطبع، هناك مشروعات يمكن للآلات أو الروبوتات أن تعمل فيها بشكل مستقل في بيئات يكتنفها عدم اليقين، لكن أساس ذكائها هو التعرف على الأنماط، أي أن تتمكن الآلة من التعرف على الأنماط التي درّبت عليها وكذلك تعميماتها، ثم بالنظر إلى موقعها تختار استجابة من قائمة تضم العديد من الاستجابات. فهذا هو كل ما تفعله الأجهزة «الذكية» الحالية، ولن يؤدي مجرد التعقيد المتزايد إلى تسهيل ظهور ظاهرة الوعي الجديدة.»
تعدُنا الحوسبة الكمية بأن تزودنا بوسيلة لتحقيق سرعات معالجة أعلى بكثير، لكن بعض علماء الفيزياء أشاروا إلى أبعد من ذلك، وأشاروا إلى أن التأثيرات الكمية (حيث قد توجد الجسيمات في العديد من الحالات في الوقت نفسه) قد تحدث أيضاً في الدماغ البشري ومن ثم تعمل كأساس للوعي. وإذا كان هذا هو الحال بالفعل، فهل يصبح الوعي نتيجة حتمية عندما يتطور الحاسوب الكمي بما فيه الكفاية؟
«إن الحاسوب الكلاسيكي ليس فقط أدنى من الدماغ البشري في مستوى التعقيد، فمن المرجح أيضاً أن بعض جوانب معالجة الدماغ تتضمن ميكانيكا الكم. ولكن هذا لا يعني أن الحواسيب الكمية الموجودة حاليًّا، والتي صممت لإجراء المعالجة الرقمية، هي بنية ملائمة للوعي. وفي الواقع، فمن شبه المؤكد أنها البنية الهندسية الخاطئة. ومن أجل تحقيق السلوك الواعي، يجب استكشاف نماذج بديلة للحواسيب الكمّية المكافئة لهذا النوع من المعالجة النمطية والتسلسل الهرمي التي تحدث في الدماغ، وحتى هذا قد يكون ضروريًّا فقط ولكنه لا يزال غير كافٍ.»
من الصعب على البشر تحديد ما إذا كانت الأنواع الأخرى واعية بالذات حقاً لأننا لا نستطيع إلا أن نقيّم الوعي من منظورنا الضيق (خذ الأخطبوط الذكي كمثال). ولذلك إذا تمكن حاسوب في يوم ما من تحقيق حالة شبيهة بالوعي، هل تشعر بأن البشر سيمكنهم التعرف على نوع من الوعي يختلف عن وعينا؟
«إذا نجحت الحواسيب في تحقيق الوعي، فسيكون شبيهاً بوعينا تماماً، وسنتمكن نحن – البشر- من إنشاء قنوات اتصال معها تماماً كما نفعل مع الحيوانات الأخرى المعروفة. ومع ذلك، وكما يرى كل حيوان العالم بطريقة فريدة من نوعها، فإن الحواسيب الواعية ستكون مختلفة عنّا. ولا يمكننا أن نتنبأ بطبيعة الاختلاف بين وعيها ووعينا، ولكن من المؤكد أنها ستتفوق علينا من حيث القدرة على التفكير والذاكرة وخفة الحركة الجسمية، وربما لا تحتاج إلينا على الإطلاق.»
أخيراً، ما هي برأيك العقبة الرئيسية- سواء كانت تكنولوجية أو غير ذلك- التي ستحتاج البشرية إلى التغلب عليها أولاً قبل أن نتمكن من خلق وعي اصطناعي؟
«هناك من يعتقد أننا إذا تمكنا من محاكاة جميع العمليات الحسابية في الدماغ، فسنكون قد حاكينا الوعي كظاهرة. ولكن بالنظر إلى أن الدماغ البشري يحوي نحو 100 بليون عصبون والكثير جدًّا من الاتصالات المشبكية، والتعقيد الشديد للعصبونات البيولوجية، فمن المستحيل عمليًّا تنفيذ مثل هذه المحاكاة. أعتقد أن أفضل رهان لبناء الآلات الواعية هو الأنظمة المرتكزة على الحمض النووي، لكن من غير المرجح أن يستكشف المجتمع هذه الإمكانية بسبب المخاطر المتأصلة فيها.»