بقلم: إيلسا هارفي
بإمبراطورية سادت معظم أرجاء أوروبا وغرب آسيا وشمال إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط، امتلك الرومان قوة ونفوذاً هائلين. من القرن الثامن قبل الميلاد -عندما أسست روما- إلى انهيار الإمبراطورية في القرن الخامس الميلادي، طور الرومان طرقاً فعالة لبناء وصيانة مجتمعات كبيرة. فعلى الرغم من مرور آلاف السنين، لا يزال بالإمكان رؤية أعمال الرومان البارعة حتى اليوم. كانت قدرتهم على الاستفادة من الموارد التي اكتشفوها مثيرة للإعجاب.
لإثبات أنهم مهندسون خبراء، استخدموا المياه ومعرفتهم بالفيزياء لتوليد الطاقة اللازمة للمطاحن. ففي الأراضي الزراعية علّموا العالم الزراعي تحقيق أقصى استفادة من المحاصيل الحقلية. فقد أسس الرومان دورات المحاصيل، فاخترعوا نظام ”طعام، علف، راحة“ Food, feed, fallow. عن طريق تقسيم المزارع إلى هذه الأقسام الثلاثة، ضمنوا وجود محاصيل جاهزة دائماً للحصاد.
بعض الدروس التي تعلمناها من الرومان كانت اختراعاتهم الخاصة، في حين تبنوا البعض الآخر من الثقافات الأخرى ضمن الإمبراطورية الرومانية المتنامية. فمثلاً، ربما لم يخترع الرومان التقويم، لكن الاستخدام الواسع لتقويمهم أعطى العالم طريقة لتتبع الوقت المنقضي. من ابتكاراتهم الفريدة إلى التقنيات التي حسنوها، إليك بعض الدروس التي درّسها الرومان للعالم.
كيف نتخلص من فضلاتنا
كانت روما القديمة موطناً لبعض أنظمة الصرف الصحي الأولى في العالم. ركّبت هذه الممرات المائية الجوفية لأول مرة في عام 500 قبل الميلاد تقريباً، وتألفت من أنفاق حجرية عملاقة منحوتة. حالياً، يشبه العديد من أنظمة الصرف الصحي في المدن تلك الموجودة في روما القديمة- لكن قد يكون الغرض منها مختلفاً. ففي العالم الحديث تتمثل الوظيفة الرئيسية لمجارير الصرف الصحي بنقل النفايات غير الصحية بعيداً عن المناطق الحضرية. لكن في روما القديمة، كان دورها الرئيسي هو التخلص من المياه الزائدة التي يمكن أن تغمر الشوارع. ربطت بعض المنازل مباشرة بمنظومة الرومان للصرف الصحي المغطى. وكانت المنازل الأخرى تلقي بمياه الصرف الصحي في الشوارع ببساطة، لكن الشوارع كانت تُغسل لاحقاً لنقل النفايات إلى المجارير. بمجرد وصولها، كان كانت مياه الصرف الصحي تُحتوى في أنفاق ممتدة تتصل بالأنهار القريبة. فلم تتغير بنية المجارير كثيراً منذ بناء هذه المباني القديمة. في الواقع، لا يزال ”أعظم مجرور“ في روما القديمة قيد الاستخدام حتى اليوم.
كيف تخطط لمدننا
كان التخطيط الشبكي للمدن- المعروف أيضاً بالقنطورياطية Centuriation- أحد الأشكال التي اعتمدها الرومان القدماء لتقسيم وقياس أراضيهم. الشبكة، التي نظمت الأرض ذات يوم إلى مناطق مستعمرة، تنظم حالياً المدن الكبيرة إلى طرق وشوارع وظيفية. تمتع الرومان بمهارات عالية في تحويل الأراضي الجرداء إلى مدن مشيدة، حيث وسعّ وأعيد تطوير العديد من البلدات في ظل الإمبراطورية الرومانية. وقد يبدو التصميم بسيطاً حالياً، ولكن قبل أن يشيد الرومان الشبكات الضخمة، كثيراً ما كانت المباني والملامح الأخرى في المدينة تتبع شكل وجيولوجية الأرض. وشكّلت مخططاتهم المتقاطعة للشوارع ميادين مركزية للتجارة، أطلق عليها اسم ”الجزر“ Insulae. ألهم هذا الهيكل مخططي المدن اللاحقين.
كيف ندفّئ منازلنا
اخترع الرومان منظومة أفران الحمامات، وهي طريقة مبكرة لتوزيع الحرارة بكفاءة
1 ممر الدخان SMOKE PASSAGE
كانت التجاويف في الجدران ضرورية لمنع تراكم الدخان في المنزل. يتحرك الدخان عمودياً، فيتصاعد من مداخن السقف.
2 منظومة الغرف CHAMBER SYSTEM
تحت الأرض، تدعم المبنى أعمدة من الطوب تسمى العُمَد .Pilae
3 حمامات معدلة TRANSFORMED BATHS
اشتهر الرومان بحماماتهم. في حين كانت الحمامات الرومانية المبكرة تسخّن بواسطة ينابيع المياه الحارة الطبيعية، استُخدمت أفران الحمامات Hypocausts أيضاً ابتداء من القرن الأول.
4 دوران حراري HEAT CIRCULATION
تخلق الفجوات بين أعمدة الطوب ممرات ينتشر منها الهواء الساخن أفقياً.
5 فرن FURNACE
كان لابد من إشراف أفراد على الفرن للحفاظ على احتراق الأخشاب لتوليد الحرارة.
6 منازل مريحة COMFORTABLE HOMES
يمكن لمنظومة التدفئة هذه تسخين الهواء في الغرف حتى 30°س.
7 طوب مجوف HOLLOW BRICK
كانت جدران المبنى مجوفة للسماح للحرارة بالارتفاع عبرها.
سر الخرسانة المعمرة
عادة ما يعني التقدم في التكنولوجيا والمعرفة أن تتحسن العناصر التي يصنعها الإنسان باستمرار بمرور الزمن. ولكن الخرسانة التي صنعها الرومان كانت أقوى من الخرسانة التي تنتج حالياً. فمثلاً، تسبب المياه المالحة تآكل الخرسانة الحديثة في غضون سنوات، لكن بعض الحوائط البحرية التي بناها الرومان قبل 2,000 سنة لا تزال سليمة. لكشف أسرار البناء الرومانية، درس العلماء المكونات المعدنية للخرسانة البحرية القديمة. فوجدوا أنهم استخدموا مزيجاً من الجير والصخور البركانية التي صُنع منها الملاط والطفة البركانية Volcanic tuff. لإضافة المزيد من القوة، كان الملاط يُغطس في مياه البحر. فتعمل جزيئات الماء على ترطيب الجير -الذي سبق وأن مر بتفاعل كيميائي مع الرماد- مما يودي إلى تماسكهما معاً. يشكل هذا مركباً قوياً من هيدرات الكالسيوم-الألومنيوم-السيليكات. حتى الهياكل التي لم تكن تحت الماء كانت متينة- مثلا، أدى استخدام الصخور البركانية والرماد لبناء مدرج الكولوسيوم Colosseum إلى المحافظة على هذه الأعجوبة الشهيرة سليمة نسبياً لعدة قرون.
تمهيد الطريق
بني أكثر من 5,592 ميلاً من الطرق لتوسيع الإمبراطورية الرومانية
كيفية تجليد الكتب
على الرغم من أن الرومان لم يكونوا من أوائل من تركوا سجلات مكتوبة، إلا أن الفضل ينسب إليهم في صنع أول أشكال “الكتب”. استُخدم الأقراص الشمعية المجلّدة المسماة بالأسفار Codices بدلاً من الورق المستخدم حالياً. وينقش الشمع بأداة حادة تسمى المرقم Stylus. غيرت هذه الوثائق معرفة القراءة والكتابة، إذ يمكن أن طوى ألواح التجليد معاً لتكون أرق من الألواح الطينية الكبيرة التي كانوا يكتبون عليها في الأصل. كانت الأسفار أيضاً أسهل في التعامل معها من المخطوطات Scrolls. في وقت لاحق، استبدلت الأقراص الشمعية بجلود الحيوانات الأخف وزنا.
5 ابتكارات جراحية
اختراعات لا تزال قيد الاستخدام حتى اليوم
1 مثاقب العظام
استخدم الرومان مثاقب العظام لإزالة العظام المريضة. كانت هذه تُشبه في مظهرها بريمة نزع السدادات Corkscrew المستخدمة حالياً.
2 الملقط
كانت هذه واحدة من أكثر الأدوات الجراحية شيوعاً في العصر الروماني. استُخدمت الملاقط لإزالة شظايا العظام الصغيرة.
3 الولادة القيصرية
نص قانون مكتوب في العصور الرومانية القديمة على أنه إذا ماتت امرأة أثناء الولادة، يجب استخراج الطفل من جسدها. أدى هذا إلى أول ولادة قيصرية.
4 الجراحة المعقمة
لم يخترع الرومان العديد من الأدوات الطبية المفيدة فحسب، بل تعلموا أيضاً كيفية حفظها نظيفة. كانوا يغسلون الأواني بالماء الساخن كطريقة مبكرة لقتل المكروبات المسببة للأمراض.
5 المحاقن
تضم الأدبيات الرومانية القديمة سجلات لبعض الاستخدامات المبكرة للمحاقن، والتي استُخدمت لوضع المراهم الطبية.