أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم الطبيعيةهل كنت تعلم؟

كيف تروض النار

من كيمياء الشموع إلى ألسنة اللهب في الفضاء، اكتشف العلم وراء هذا الموضوع الساخن

بقلم: سكوت داتفيلد

منذ أن فرك أسلافنا من رجال الكهوف عصوين معا لإنتاج الجمر، افتتن البشر بالنار. ففي علاقة حددت ما صرنا عليه في العصر الحديث؛ فإن النار غيرت الطريقة التي تمكن بها البشر من الأكل، والبقاء دافئين، وصولا إلى بناء حضارات عالمية. ووصفت النار في اليونان القديمة بأنها أحد « العناصر الطبيعية « للأرض بجانب الماء والهواء والتراب. لكن، ما النار بالضبط؟
النار هي تفاعل بين الجزيئات التي تُنشئ بلازما ساخنة ومتوهجة. ففي الأساس، فإن ما نراه عندما نُشعل عود ثقاب هو سلسلة من التفاعلات الكيميائية التي تنبعث منها الحرارة والضوء والغاز والماء كنواتج ثانوية. فكل وميض وشعلة من اللهب المتراقص ينشآن عن طريق إطلاق الذرات للطاقة في مراحل مختلفة من تسخينها.
وصفة النار بسيطة نسبياً. أضف القليل من الأكسجين، ورذاذاً من الوقود ولفحا من الحرارة، وكأنه السحر، صارت لديك نار. وعلى الرغم من أن العناصر الثلاثة معظمها لازمة لإشعال النار، يمكن لأي شيء تقريباً أن يكون مصدر الوقود. فأكثر عنصرين قابلين للاشتعال على وجه الأرض هما الكربون والهيدروجين، لذا فإن الوقود الذي يتكون في معظمه من هذين العنصرين هو الغذاء المفضل للنار. ويرجع هذا إلى أن الكربون والهيدروجين يسهل أن يتحدا بالأكسجين في الهواء. ومع الإطلاق الأولي لطاقة حرارية مثل شرارة، يحتاج مصدر الوقود مثل الخشب إلى الوصول إلى درجة حرارة الاشتعال الخاصة به من أجل أن يحترق. وبمجرد تسخينها تستهل الغازات المتطايرة المنطلقة من الوقود مثل الكربون والهيدروجين تفاعلا متسلسلا من الأكسدة يسمى الاحتراق Combustion. وخلال هذه الأكسدة السريعة تتفكك الروابط الكيميائية التي تشكل مصدر الوقود وتتحول إلى النواتج الثانوية للنار، وهي ثاني أكسيد الكربون والماء. وفي عملية تمزيق الجزيئات هذه تُطلق الطاقة على شكل حرارة وضوء متوهج.
ومع ذلك، ليست كل الحرائق متساوية عندما يتعلق الأمر بمدى سخونتها. يمكن أن تتباين درجة حرارة الحريق بشكل كبير اعتماداً على التركيب الكيميائي للوقود وكمية الأكسجين المتاحة. فمثلاً، قد يحترق الخشب عند نحو 1,100 درجة سيليزية، في حين أن الإيثانول يمكن أن يحترق عند نحو 1,920 درجة سيليزية. ويرجع ذلك غالباً إلى ارتفاع نسبة الكربون والهيدروجين في الإيثانول مقارنة بالخشب. عامل مهم آخر يمكنه أن يحدد إمكانية اشتعال شيء ما هو حجمه. وتستغرق مصادر الوقود السميكة والكثيفة، مثل جذع شجرة، وقتاً أطول بكثير للوصول إلى درجة حرارة يمكن أن تشتعل فيها، مقارنة بوقود أصغر حجما مثل الحطب الجاف Kindling.
تتسم النار بالعشوائية في بحثها عن الوقود، وقد يؤدي هذا إلى دمار. وبحكم طبيعة هذا التفاعل الكيميائي، فحتى يُستنفد مصدر الوقود تماماً أو يُزال أحد المكونات الأساسية من وصفة النار، ستستمر النيران بالاشتعال، وتدمر كل شيء في طريقها. ومن بين أكبر الأمثلة على الطبيعة الجامحة للحرائق هي حرائق الغابات الأخيرة في أستراليا. بسبب اندلاعها منذ أكثر من خمسة أشهر، دمرت حرائق الغابات أكثر من 11 مليون هكتار من الأدغال الأسترالية. وقد يكون مصدر الإشعال صاعقة أو حريقا متعمدا. ومع ذلك، فإن سبب اندلاع هذه الحرائق بهذه الشدة يرجع إلى الظروف البيئية الجافة في أستراليا. ومع توجيه أصابع الاتهام نحو التغير المناخي والحرارة الشديدة التي شهدتها البلاد خلال العام الماضي، صارت غابات وأدغال أستراليا مصدراً مثالياً لاستهلاك النيران.
ومع احتدام حرائق الغابات يرتفع الهواء الساخن إلى أعلى ويسحب الهواء الغني بالأكسجين البارد إلى الأسفل، مثلما يحدث عندما يحترق لهب الشمعة. ويمكن ملاحظة حركة الهواء بالكاد في اللهب الصغير للشمعة، ولكن عندما تشتعل النيران عبر هكتارات، يمكن لهذه الحركة الغازية أن تولد رياحاً تزيد سرعتها على 160 كم/ساعة. وبمساعدة الرياح القوية، يقفز الجمر الناتج من حريق هائل ويسقط على منطقة أخرى من الغابة، فيشعل حريقاً جديداً. ومن دون هطول أمطار غزيرة لإطفاء ألسنة اللهب، فقد عانت أستراليا أسوأ موسم للحرائق على الإطلاق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى