أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم البيئية

كيف تتشكل الــصحـاري

اكتشِفْ أكبر الصحاري في العالم، وسبب وجود مثل هذه المناطق الجافة (ولكن غير القاحلة)

بقلم: سكوت داتفيلد

عبر مساحات شاسعة من الأراضي العطشى، يكسر الصمت نعيق عارض لنسر عابر أو عواء الريح. كثيراً ما يستحضر خيالنا هذا المشهد النمطي عندما نفكر في صحاري كوكبنا. ولكن الصحاري غير محددة بكمية الرمال التي تحملها أو بمدى احتراق مشهدها الطبيعي بحرارة الشمس اللافحة. تصنف «الصحراء» على أنها منطقة تتلقى معدلاً ضئيلاً أو منعدماً من الأمطار- عادة أقل من 25 سم سنويّاً. وبعض أكبر الصحاري في العالم هي في الواقع مساحات شاسعة من الرمال الساخنة، مثل الصحراء الكبرى Sahara Desert، لكن في الحقيقة أكبرها جميعاً هي عكس ذلك تماماً.
ويحتفظ القطب الجنوبي بالرقم القياسي لأكبر صحراء في العالم، حيث يمتد على مساحة 14 مليون كم2، كما أنه أبرد مكان على الأرض. ونظراً لضعف قدرة الهواء البارد على الاحتفاظ ببخار الماء، لا تتلقى هذه الصحراء الجليدية كثيراً من الأمطار.
ويساعد على حفظ القارة القطبية الجنوبية كأرض بور متجمدة مظهرها الأبيض الثلجي. وفيما يُعرف بتأثير الألبيدو (الوضاءة) Albedo Effect، تنعكس أشعة الشمس الدافئة طبيعيّاً على الأسطح الفاتحة وتُعاد إلى الفضاء. وفي ضوء هذه المساحة السطحية الهائلة، يتجنب القطب الجنوبي، وكذلك قريبه الشمالي، القطب الشمالي (ثاني أكبر صحراء في العالم)، الذوبان بفعل حرارة الشمس، ومن ثمَّ لا تذوب مياهه.
ولكن هذه ليست الحال بالنسبة إلى بعض الصحاري الكبرى الأخرى. تقع الصحاري شبه المدارية على بعد نحو 30 درجة من خط الاستواء للأرض، ومن ثمَّ فقد تحولت إلى قفار محرومة من هطول الأمطار المنتظمة، التي جففتها الشمس على مدى آلاف أو حتى ملايين السنين. وتعرف هذه العملية بالتقحّل (الجفاف) Aridification، والصحراء الكبرى هي أكبر صحراء شبه مدارية جردت من النباتات المورقة نتيجة لهذه العملية، قبل نحو سبعة ملايين سنة. تشير إحدى النظريات إلى أنه خلال تفكك القارات العُليا Supercontinents للعالم، الذي بدأ قبل نحو 250 مليون سنة، اصطدمت الصفيحتان الإفريقية والأوراسية. ونتيجة لذلك، فقد تشكلت جبال الألب ببطء، في حين اختفى البحر المعروف بتيثيس Tethys. وأدى هذا الجسم المائي دوراً حيويّاً في ري الأراضي المحيطة، بما في ذلك شمال إفريقيا الحالية. وتقلص البحر مع اصطدام الصفيحتين، كما تناقص هطول الأمطار تدريجياً وبدأت موجة الجفاف في الصحراء الكبرى، التي استمرت حتى العصر الحديث. وأدت الرياح العاتية وهطول قليل من الأمطار إلى الامتدادات الشاسعة من الصحاري التي نراها اليوم.
قد تبدو الصحاري قِفاراً عديمة الحياة، لكنها في الواقع موطن لأنواع متمرسة في البقاء على قيد الحياة وعالية القدرة على التكيف. تطورت الثدييات مثل ثعلب الفنك Fennec Fox، الذي يعيش في الصحراء الكبرى، للاستفادة من ليالي الصحراء الباردة. ولتجنب حرارة الشمس أثناء النهار، تصطاد هذه الثدييات فرائسها ليلاً، فتتغذى باللافقاريات والقوارض الصغيرة والطيور وبيضها.
وتعد المياه سلعة ثمينة بين الرمال الحارقة، وقد طورت بعض الأنواع طرقاً ذكية للعثور على المياه. وتجعل بعض الخنافس في صحراء ناميب
Namib Desert قطيرات من الماء على ظهرها لتجميع بخار الماء من الضباب. وعندما تتشكل قطرات على الخنفساء، يقوم الشمع الطارد للماء بتوجيه الماء نحو فم الخنفساء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى