كيف تتحكم الهرمونات في جسدك
مثلما يرسل الجهاز العصبي المعلومات إلى جميع أنحاء الجسم عبر نبضات كهربائية، يوفر جهاز الغدد الصماء خدمة رسائل أخرى تتحكم بجسدك كله
إذا كنت قد تساءلت يوماً لماذا لا يبدو أنك تزداد طولاً أبداً في حين ينمو أصدقاؤك بانتظام بحيث تضيق عليهم ملابسهم، ولماذا تتشقق بشرتك دائماً مكونة بقعاً عندما تود أن تبدو بأفضل مظهر، ولماذا تشعر بالجوع دائماً مهما كانت كمية ما تأكله، لا تنظر إلى أبعد من هرموناتك Hormones. لكن ما الهرمونات بالضبط، ولماذا تبدو عازمة على التدخل في حياتك؟
في الغدد فقط، بل يمكن تصنيعها في
الخلايا الدهنية والأمعاء وحتى العظام.
يؤدي جهاز الغدد الصماء Endocrine system دوراً مهماً في الانتقال من جنين إلى وليد مستقل. وتبدأ الخلايا الصماء بالانتشار خلال أسابيع قليلة من الحمل، وبحلول الأسبوع 13، يكون تحت المهاد Hypothalamus والغدة النخامية Pituitary gland قد تطورا. يحصل الجنين على الهرمونات من الأم، وتعمل المشيمة Placenta كعضو صماوي مؤقت، فيوزع المغذيات والرسائل بين الاثنين. تُطرد المشيمة عند ولادة الطفل. تساعد الهرمونات الجنين على التطور والنمو في الرحم، مما يمنحه أفضل فرصة للبقاء على قيد الحياة أثناء عملية الولادة. بمجرد ولادة الطفل، يتحكم جهاز الغدد الصماء في كل جانب من جوانب حياته، من النمو والقوة إلى درجة الحرارة والحالة المزاجية. ولكن عند الوصول إلى سن البلوغPuberty – عادة نحو سن 12 سنة – يدرك معظم الناس أهمية الهرمونات.
خلال فترة البلوغ، تصل أجسادنا إلى ذروة حالتها البدنية وإلى النضج الجنسي الكامل. يحفّز جهاز الغدد الصماء حدوث بعض التغيرات الجسدية الرئيسية التي قد تكون مربكة ومخيفة جداً لأي مراهق غير مستعد. مع بداية مرحلة المراهقة، يحفّز تحت المهاد والغدة النخامية الغدد التناسلية (المبيضين Ovaries أو الخصيتين Testes) لإنتاج مجموعة متنوعة من الهرمونات التي تسبب ظهور خصائص جنسية جديدة. يزيد إفراز هرموني الإستروجين Oestrogen والبروجستيرون Progesterone لدى الفتيات، مما يؤدي إلى تضخم الثديين وبدء الدورة الشهرية. وفي الوقت نفسه، تؤدي زيادة هرمون التستوستيرون Testosterone لدى الأولاد إلى تعميق الصوت وتضخم الأعضاء الجنسية وزيادة شعر الوجه.
تتغير الحالة المزاجية أيضاً، لكن ليس للأفضل في كثير من الأحيان. في العصور الوسطى، قبل وجود أي فهم تأثير الهرمونات في هذه المرحلة، كان يُعتقد أحياناً أن الأطفال الملائكيين قد استحوذ عليهم الشيطان عند بلوغهم مرحلة المراهقة.
”مستودع المخاط“
قطع العلماء شوطا طويلا في فهمهم للغدة النخامية ووظائفها العديدة، ولكن على الرغم من أننا لم نفهم أهميتها بشكل كامل إلا مؤخراً نسبيا، إلا أننا كنا على علم بوجودها منذ قرون. منذ عام 150 للميلاد، تعرف الطبيب والفيلسوف اليوناني غالينوس Galen على هذه الغدة، وأشار إلى قدرتها على إفراز المواد، واقترح أن غرضها هو المساعدة في نزح البلغم Phlegm من الدماغ. بحلول أوائل القرن الثامن عشر، اكتشف الأطباء العناصر التشريحية المختلفة للغدة، مثل المحور تحت المهادي – النخامي Hypothalamo- hypophyseal axis الذي يربط الغدة النخامية بتحت المهاد – على الرغم من أنهم في ذلك الوقت لم يدركوا مدى أهمية هذا الارتباط. اكتُشف العديد من الأمراض المرتبطة بالغدة النخامية في القرن الثامن عشر، وبحلول منتصف القرن التاسع عشر، وصف الدكتور مارتن راثكي Martin Rathke تكوّنها. بمرور الوقت، اكتشف العلماء مدى أهمية الغدة النخامية لبقائنا وكيف يتحكم فيها تحت المهاد.
”يمكن للعلاج المبكر للخلل الهرموني أن يمنع حدوث المشكلات“
لكن أي نظام يمكنه أن يتعطل، وليس جهاز الغدد الصماء استثناء. يمكن أن يؤدي اختلال توازن الهرمونات لدى الطفل الصغير أو المراهق إلى العديد من الاضطرابات. يحدث البلوغ المبكر Precocious puberty عندما يبدأ الطفل في الانتقال إلى مرحلة النضج الجنسي في سن مبكرة جداً. يرسل تحت المهاد إشارات لإفراز الهرمونات الجنسية في وقت مبكر جداً، مما يتسبب في بدء الدورة الشهرية لدى الفتيات الصغيرات قبل سن الثامنة. قد يحدث هذا أحياناً بسبب ورم في إحدى الغدد الصماء الرئيسية. وكذلك يمكن أن يؤدي نقص هرمون النمو إلى التقزم Dwarfism، كما يؤدي نقص هرمون الإنسولين Insulin إلى الإصابة بالداء السكري في الأطفال. من الأهمية بمكان أن يراقب الآباء أطفالهم بعناية لضمان التعامل مع أي مشكلات صماوية بسرعة، لأن العلاج المبكر لاختلال التوازن الهرموني قد يمنع حدوث مشكلات صحية طويلة المدى.
يؤدي جهاز الغدد الصماء دوراً حيوياً في مرحلة البلوغ أيضاً. تدعم هرمونات مثل الإنسولين والغلوكاغون Glucagon تنظيم الصحة الأيضية، عن طريق موازنة مستويات السكر في الدم. مع زيادة تعقيدات حياتنا بسبب الالتزامات المالية والتزامات العمل، يحتاج البالغون إلى الحفاظ على هدوئهم تحت الضغط من أجل البقاء في صحة جيدة. وتفرز الغدتان الكظريتان Adrenal glands هرموني الكورتيزول Cortisol والأدرينالين Adrenaline لمواجهة ارتفاع مستويات التوتر والحفاظ على ضغط دم مستقر. يعمل هرمون T3 الذي تفرزه الغدة الدرقية Thyroid gland جنباً إلى جنب مع الكالسيتونين Calcitonin للحفاظ على صحة ونمو العظام القوية.
يؤدي جهاز الغدد الصماء دوراً حاسماً في حياة الشخص البالغ، والذي يتعلق بالهرمونات التناسلية. يستمر هرمون الإستروجين والبروجستيرون، بداية من سن البلوغ، بتأدية دور مهم جداً، حيث لا يعملان فقط على ضبط توقيت حدوث الدورة الشهرية، بل يدعمان أيضاً صحة القلب والأوعية الدموية وصحة العظام ووظائف الدماغ. ويمكن قول الشيء نفسه عن هرمون الذكورة، التستوستيرون، لأنه يدعم أيضاً صحة العظام وبناء العضلات إلى جانب الصحة الإنجابية العامة.
عندما تحمل المرأة، يحتاج جهاز الغدد الصماء إلى العمل بجهد مضاعف لأنه يدعم فردين اثنين وعليه أن يوازن بدقة بين احتياجات الأم ومتطلبات الجنين النامي، وكذلك استيعاب التغيرات الجسدية والبدنية للأم. تتعامل الهرمونات مع العديد من الشكاوى الشائعة التي تنشأ أثناء الحمل، مثل تورم الكاحلين وحرقة المعدة وارتفاع ضغط الدم والإمساك.
مع تقدمنا في السن، يحفز جهاز الغدد الصماء على المزيد من التغيرات الهرمونية، والتي تسبب بدورها العديد من
التغيرات والتعديلات في أجسادنا. تنخفض مستويات هرمون الإستروجين، مما يؤدي إلى انقطاع الطمث، وهي حالة لا يستطيع الجسم فيها التكاثر. تتضاءل مستويات هرمون النمو، وكذلك هرمون التستوستيرون، لذلك يكون كل من الذكور والإناث أكثر عرضة للمخاطر الإكلينيكية. تنخفض كثافة العظام وكتلة العضلات ويضعف الجهاز المناعي. وتستغرق الغدد الموجودة داخل جهاز الغدد الصماء وقتا أطول لإفراز الهرمونات، وكثيراً ما تفرز كميات أقل بكثير مما كانت تفعل عندما كان الجسم أصغر سنا، في حين أن الهرمونات نفسها تستغرق وقتاً أطول بكثير لكي تتحلل. تؤثر مثل هذه التغيرات بالسلب في وظائف الجسم، فتنشأ خصائص مؤلمة لدى المسنين مثل فقدان الذاكرة هشاشة (وتخلخل) العظام .Osteoporosis
من دون جهاز الغدد الصماء الذي يُنتج ويُفرز العديد من الهرمونات التي تدخل مجرى الدم ويأمر أعضاءنا وأنسجتنا بالتصرف بطريقة معينة، لن نكون المخلوقات الرائعة والمعقدة نفسها التي هي نحن. لذلك في المرة القادمة التي يسألك فيها أحدهم عن سبب تقلب مزاجك أو لماذا تحتاج إلى تلك الساعة الإضافية من النوم، يمكنك أن تجيبه بصدق… إنها هرموناتي.
تُعرف الغدة النخامية أيضاً بالغدة الرئيسة لأنها تشرف على جميع التعليمات الهرمونية الأخرى. وتدخل الهرمونات من تحت المهاد إلى البوابة النخامية، التي تربط تحت المهاد بالغدة النخامية. تحمل شبكة من الشعيرات الدموية الهرمونات إلى الفص الأمامي للغدة النخامية، حيث تبدأ أو توقف إنتاج الهرمونات النخامية.
تحفز هذه الهرمونات الغدد الصماء المختلفة التي تتحكم في العديد من وظائف الجسم. فالهرمون المحفز للغدة الدرقية Thyroid-stimulating hormone، مثلاً، يحفز أجزاء من عملية التمثيل الغذائي في الجسم مثل التحكم في درجة الحرارة، في حين يرسل هرمون النمو البشري تعليمات إلى الهيكل العظمي والكبد والعضلات. يرسل هرمونان، هما الأوكسيتوسين Oxytocin والفازوبريسين Vasopressin، إلى الفص الخلفي للغدة النخامية. يتحكم الفازوبريسين، أو الهرمون المضاد لإدرار البول Antidiuretic hormone (اختصاراً: الهرمون ADH)، في فقدان الماء من الجسم، في حين يؤدي الأوكسيتوسين دوراً مهماً أثناء الولادة. تعمل الغدة النخامية جنباً إلى جنب مع تحت المهاد لمساعدة أجسادنا على التعامل مع مواقف مثل الأحداث العصيبة.
واعتُقد تقليدياً أنها تصل الناس بالعالم الروحي.
بقلم: جوانا إلفيك