كيف اختُرع الرادار
الاكتشافات العلمية والإنجازات الميكانيكية التي أفضت إلى إنشاء واحدة من أكثر التقنيات ثورية في العالم
هو التقنية نفسها المستخدمة في أفران الميكروويف.
بقلم: سكوت داتفيلد
اكتشاف موجات الراديو
1865 في أواخر القرن التاسع عشر، توصل الفيزيائي الألماني هاينريش هيرتز Heinrich Hertz إلى اكتشاف سيغير العالم إلى الأبد. قبل اكتشاف هيرتز، تنبأ الفيزيائي الاسكتلندي جيمس كليرك ماكسويل James Clerk Maxwell بوجود الإشعاع الكهرومغناطيسي في عام 1865 في ورقته البحثية ”النظرية الديناميكية للمجال الكهرومغناطيسي“، والتي وصف فيها المجالات الكهربائية والمغناطيسية التي تتحرك في موجات بسرعات متساوية.
لاختبار صحة نظرية ماكسويل، أجرى هيرتز تجربة منزلية بسيطة لإنتاج موجات كهرومغناطيسية. استخدم هيرتز ملف حث Induction coil، وهو نوع من المحولات الكهربائية، وقارورة ليدن Leyden jar كأول مكثف لتوليد تيار كهربائي. بعد ذلك وصّل ملف الحث وقارورة ليدن بزوج من الأسلاك النحاسية المتصلة بلوحتين معدنيتين. بطول كل سلك وبين اللوحتين المعدنيتين، وضع كرتين معدنيتين. وترك بين الكرتين فجوة قصيرة من الهواء، تسمى فُرجة الشرارة Spark gap.
”اكتشف هيرتز إطلاق الموجات الكهرومغناطيسية أيضاً“
عند تمرير تيار عبر السلك النحاسي، يتأين الهواء الموجود في فرجة الشرارة ويولد شرارة كهربائية تقفز بين المجالين. إلى جانب الشرارة، اكتشف هيرتز أن الموجات الكهرومغناطيسية المتوقعة يمكن إطلاقها أيضاً باستخدام مستقبل Receiver مصنوع من حلقة معدنية بها فرجة شرارة مماثلة. عندما وصلت الموجات إلى الحلقة، ولدت شرارة أخرى في فرجة شرارة المستقبل. يدل هذا على وجود موجات كهرومغناطيسية، عرفت حينئذ بالموجات الهرتزية Hertzian waves، قبل أن يُعاد تسميتها لاحقاً بالموجات الراديوية Radio waves.
أول ”تيليموبيلوسكوب“
1903 مسلحاً بمعرفة موجات الراديو وكيفية اكتشافها، ابتكر المخترع الألماني كريستيان هولسماير Christian Hülsmeyer أول جهاز يستخدم موجات الراديو لاكتشاف مسافة الجسم وموقعه.
في عام 1903، حصل هولسماير على براءة اختراع ”التيليموبيلوسكوب“ Telemobiloscope [المنظار البُعادي للأجسام المتحركة]، وهو نظام إرسال واستقبال يمكنه اكتشاف وجود الأجسام المعدنية الكبيرة مثل السفن. استخدم التيليموبيلوسكوب فرجتي شرارة وملف حثّ لإصدار تردد راديوي. وجهت موجات الراديو باستخدام هوائي يمكن تحريكه بمقدار 360 درجة. واستقبل موجات الراديو العائدة هوائي دائري متصل بجهاز يسمى ”الناقل البرادي الترابطي“ Coherer، وهو أنبوب زجاجي مملوء ببرادة معدنية. عند تمرير تيار عبر الأنبوب، تتجمع هذه البرادة معاً، لتغلق الدائرة الكهربائية وتدق جرساً متصلاً.
كان هولسماير ينوي استخدام الجهاز كوسيلة لمنع السفن من الاصطدام ببعضها بعضاً. عند توجيه التيليموبيلوسكوب إلى نهر، ترتد موجات الراديو المنبعثة من الهياكل المعدنية للسفن المارة وتعود إلى الهوائي، مما يسبب رنين الجرس. ولكن على الرغم من أن اختراع هولسماير يمكنه اكتشاف وجود سفينة، إلا أنه لا يمكن استخدامه لقياس بُعدها عن المُرسل.
المرايا الصوتية
1916 بينما كانت تكنولوجيا الرادار المبكرة لا تزال في مهدها، أجبرت معظم الدول الأوروبية على خوض غمار الحرب العالمية الأولى. كانت الحاجة إلى تكنولوجيا يمكنها اكتشاف الطائرات المعادية المتقدمة أكثر أهمية من أي وقت مضى. كمقدمة للرادار، استثمرت القوات المسلحة البريطانية في ”الآذان المستمعة“ Listening ears المعروفة بالمرايا الصوتية Acoustic mirrors.
اخترع المرايا الصوتية الرائد ويليام ساندومي تاكر William Sandome Tucker، مدير الأبحاث الصوتية في القوات الجوية، وهي أنصاف كرات خرسانية عملاقة تستخدم لالتقاط الموجات الصوتية الصادرة عن المحركات الطائرة، ومن ثم تضخيمها وإرجاعها إلى ميكروفون. مثل الموجات الكهرومغناطيسية، يمكن أن تنعكس الموجات الصوتية وتركّز على نقطة جزئية. يتسبب شكل المرايا في انعكاس الموجات الصوتية على الجزء الخلفي من نصف الكرة، ومن ثم اصطدامها بالميكروفون الموجود في مركزها. بعد ذلك يدق الجندي اليقِظ ناقوس الخطر عندما تكتشف المرايا صوت تهديدات العدو في السماء.
يمكن للمرايا الصوتية أن تمنح الجيش مهلة مدتها 15 دقيقة للاستعداد للهجوم المقبل. ومع ذلك، فخلال التهديد بنشوب حرب عالمية ثانية، تخلى الجيش عن المرايا الصوتية المصطفة على جزء من الساحل الجنوبي لإنجلترا لإفساح المجال أمام محطات الرادار العسكرية الأولى.
تجربة دافينتري
1935 أثبت هولسماير بالفعل قدرة موجات الراديو على اكتشاف السفن، لكن استخدامها في الكشف عن الأجسام الطائرة لم يكتشف بعد – حتى أجرى المخترعان البريطانيان روبرت واتسون-وات Robert Watson-Watt وأرنولد ويلكنز Arnold Wilkins تجربة رائدة في دافينتري Daventry بالمملكة المتحدة. كان واتسون-وات رئيساً لمحطة أبحاث الراديو في سلاو Slough. خلال فترة عمله في المحطة، أظهر مع ويلكينز كيف يمكن استخدام موجات الراديو لاكتشاف الطائرات. في تجربة ميدانية، شيد الثنائي عدة أعمدة لتعليق الأسلاك المتصلة بالمستقبل في الجزء الخلفي من شاحنة. جاءت موجات الراديو من أجهزة إرسال هيئة الإذاعة البريطانية BBC بالقرب من دافينتري. عندما حلقت قاذفة قنابل من طراز هاندلي بيغ هيفورد Handley Page Heyford بالقرب منها، لم يكتشف المستقبل الموجود في الميدان رحلتها فحسب، بل اكتشف بُعدها البالغ 8 أميال. أشعل إنجاز واتسون-وات وويلكينز أبحاث الرادار في بريطانيا، كما وافقت الحكومة على بناء محطات رادار ساحلية جديدة لاكتشاف الطائرات الغازية.
آذان كبيرة
كيف تلتقط المرايا الصوتية الهجمات المعادية باستخدام الموجات الصوتية
1 مرآة خرسانية Concrete Mirror
أوعية مقعرة من الخرسانة على شكل مرآة صوتية، يصل قطرها إلى نحو 4 أمتار.
2 الصوت الوارد Incoming Sound
يمكن للمرايا الصوتية التقاط أصوات محركات الطائرات المقاتلة على مسافة تصل إلى 25 ميلاً.
3 الانعكاس Reflection
يتسبب الشكل المقعر لهذه المرايا في انعكاس الموجات الصوتية الواردة وتفعيل ميكروفون في المنتصف.
4 الميكروفون Microphone
تلتقط ميكروفونات حساسة الصوت المكتشف في المرآة وتنقله إلى سماعات الرأس لمشغليها.
الاسم الكودي ”تشين هوم“
1935 إلى 1941
مع تواتر أنباء عن أن الجيش الألماني قد يجلب تكنولوجيا راديوية تبث ”أشعة الموت“ على متن طائراته المقاتلة في الحرب العالمية الثانية، سارعت بريطانيا إلى بناء محطات رادار ساحلية لرصد الطائرات قبل عبورها شواطئها. عُرفت هذه بالاسم الكودي ”تشين هوم“ Chain Home، وهي شبكة من هوائيات الإرسال ومحطات الاستقبال لمنظومة رادار عملاقة يمكنها اكتشاف الطائرات القادمة من مسافة نحو 100 ميل. أرسلت هوائيات أجهزة الإرسال نبضات طويلة إلى القناة الإنجليزية لترتد عن أي طائرة معادية قادمة وتعود إلى محطة الاستقبال، ومن ثمَّ يظهر الاكتشاف لاحقاً على شاشة الرادار، لتنبيه المشغل بوجود الطائرة. ساعد ذلك على منح طياري سلاح الجو الملكي وقتاً كافياً – نحو 20 دقيقة – للقفز إلى طائراتهم المقاتلة ومواجهة العدو قبل أن تتاح له فرصة الوصول إلى الأرض. بحلول عام 1939، كانت لدى بريطانيا 18 محطة رادار ضمن منظومة تشين هوم، وبحلول نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت هناك 53 محطة.
نبضات راديوية
كيف رصد منظومة تشين هوم للرادار طائرات العدو
1 الإرسال Transmission
غمرت النبضات المنبعثة من أبراج الإرسال التي يبلغ ارتفاعها 110 متراً مناطق واسعة من ساحل إنجلترا باتجاه قارة أوروبا بموجات الراديو.
2 موجات مرتدة Bounced Waves
عندما ترتطم موجات الراديو بطائرات العدو، كان تُعكس وترتد نحو المحطة.
3 جهاز الاستقبال (المُستقبل) Receiver
اكتُشف موجات الراديو عن طريق استقبال الهوائيات في محطات تشين هوم.
4 نبضة Blip
عند اكتشاف طائرة بواسطة موجات الراديو، تظهر على شاشة العرض على شكل ارتفاع حاد على خط أفقي، يسمى ”النبضة“ Blip.
5 الموقع Position
استخدم المشغلون موقع النبضة على الخط، إضافة إلى حجمها، لتحديد بُعدها وموضعها في السماء.
إفساح الطريق للماغنترون
1940 على الرغم من ثوريتها، إلا أن منظومة تشين هوم لم تكن خالية من القيود، وخاصة نطاق اكتشافها. بحثاً عن طريقة لتوسيع نطاق الرادار، اخترع الفيزيائيان البريطانيان جون راندال John Randall وهنري بوت Henry Boot من جامعة برمنغهام نوعاً جديداً من الرادار يسمى الماغنترون التجويفي Cavity magnetron.
صُنع الجهاز من قطعة أسطوانية من المعدن يمر خلالها قطب كهربائي سالب الشحنة، أو كاثود Cathode، عبر ثقب مركزي. يحيط بالكاثود أنود Anode – وهي أقطاب كهربائية موجبة الشحنة ضمن سلسلة من الثقوب، أو ”التجاويف“. عند تمرير الطاقة عبر الكاثود، يظهر مجال مغناطيسي حول الجهاز وتنطلق موجات كهرومغناطيسية من الأنودات. كانت هذه الموجات الميكروية Microwave أقصر بكثير من موجات الراديو10 سم - فقط مقارنة بطول موجة الرادار الذي يصل إلى 13متراً. وفيما يتعلق بالرادار، تكون أجهزة الإرسال التي تستخدم أطوال موجية أقصر حساسة لاكتشاف الأهداف من مسافات أبعد، كما يمكن صنعها على شكل أجهزة أصغر حجماً وأقل تكلفة.
كان الماغنترون التجويفي صغيراً وقوياً، لكن قطاع التصنيع البريطاني لم يتمكن في ذلك الوقت من إنتاج الجهاز بكميات كبيرة. لحل المشكلة، لجأت بريطانيا إلى أمريكا – التي لم تكن قد دخلت الحرب بعد – طلباً للمساعدة. بعد أن قطع الرحلة بأمان على متن سفينة عبر المحيط الأطلسي، كشف عالم فيزياء ويلزي يُدعى إدوارد بوين Edward Bowen للأمريكيين عن تكنولوجيا الماغنترون. نظراً لإمكانات الجهاز وتأثيره في النجاح العسكري، وافق الرئيس فرانكلين دي روزفلت Franklin D. Roosevelt على تخصيص الأموال اللازمة لإنشاء مختبر الإشعاع في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا Massachusetts Institute of Technology (MIT) لاستنساخ رادار الموجات الميكروية الجديد. وقد عدّلت هذه الرادارات الجديدة لتتناسب مع الوحدات المدمجة المثبتة على الطائرات أو الأجهزة الكبيرة المثبتة على الشاحنات من أجل الاكتشاف بعيد المدى.