فيزيائيون يحاكون أصول الكون
بقلم: تيم تشايلدرز
تَشَكُّل المجرات رقصةٌ معقدة بين المادة والطاقة، الذي حدث في مرحلة ذات أبعاد فلكية تمتد إلى بلايين السنين. ولا تزال كيفية نشوء تنوع المجرات المنظمة والديناميكية التي نلاحظها اليوم من الفوضى النارية للانفجار الكبير Big Bang واحدا من أصعب الألغاز التي لم تحل في علم الكونيات (الكوزمولوجيا) Cosmology.
بحثاً عن إجابات، فقد أنشأ فريق دولي من العلماء النموذجَ الأكثر تفصيلاً حتى الآن للكون على نطاق واسع، وهو محاكاة أطلقوا عليها المحاكاة TNG50. ويحتوي كونهم الافتراضي، البالغ عرضه نحو 230 مليون سنة ضوئية، على عشرات الآلاف من المجرات قيد التشكل، والمعروضة بمستويات من التفصيل لم يسبق لها مثيل إلا في نماذج المجرات الفردية. وتتبع المحاكاة أكثر من 20 بليون جسيم تمثل المادة المعتمة Dark matter والغازات والنجوم والثقوب السوداء الفائقة الضخامة Supermassive black holes على مدى فترة 13.8 بليون سنة.
سمح المستوى غير المسبوق من دقة العرض والحجم للباحثين بتجميع الأفكار الرئيسية حول ماضي كوننا، فاكتشفوا الكيفية التي ظهرت بها المجرات العديدة الغريبة الشكل إلى حيز الوجود والكيفية التي حفزت بها الانفجارات النجمية والثقوب السوداء هذا التطور المجري. المحاكاة TNG50 هي أحدث محاكاة أنشئت ضمن مشروع “إليسترتنغ” IllustrisTNG، الذي يهدف إلى بناء صورة كاملة عن كيفية تطور كوننا منذ الانفجار الكبير عن طريق إنشاء كون واسع النطاق دون التضحية بالتفاصيل الدقيقة للمجرات الفردية.
وسمحت المحاكاة TNG50 للباحثين برؤية الكيفية التي نشأت بها المجرات من السحب الغازية المضطربة التي كانت موجودة بعد وقت قصير من مولد الكون.
وقد اكتشفوا أن المجرات القرصية الشكل الشائعة في جوارنا الكوني ظهرت طبيعيّاً ضمن محاكاتهم، وأنها كوّنت بنى داخلية تشمل الأذرع الحلزونية والنتوءات والأضلاع الممتدة من ثقوبها السوداء المركزية الفائقة الضخامة.
عندما قارنوا كونَهم المنشأ حاسوبيّاً بالمشاهدات الواقعية، وجدوا أن العدد الذي استنبطوه من المجرات كان متسقاً نوعيّاً مع الواقع.
ومع تواصل تسطّح مجراتهم إلى أقراص دوارة جيدة التنظيم، بدأت تتكشف ظاهرة أخرى. وأدت انفجارات السوبرنوفا (المستعرات الفائقة) Supernovae والثقوب السوداء الفائقة الضخامة الموجودة في قلب كل مجرة إلى تدفقات عالية السرعة من الغازات. وتحولت هذه التدفقات إلى نوافير من الغاز يبلغ ارتفاعها آلاف السنين الضوئية فوق المجرة. وفي نهاية المطاف، فقد أعاد شد الجاذبية جزءا كبيرا من هذه الغازات إلى قرص المجرة، فأعاد توزيعه على الحافة الخارجية وأنشأ حلقة تغذية راجعة Feedback loop لتدفق الغازات دخولاً وخروجاً. وإضافة إلى إعادة تدوير المكونات لتشكيل نجوم جديدة، فقد أظهرت التدفقات الخارجية أيضاً أنها تغير بنية مجراتها. وأدت الغازات المعاد تدويرها إلى تسريع عملية تحوّل المجرات إلى أقراص دوارة رقيقة- ومع ذلك، فعلى الرغم من هذه النتائج الأولية، لا يزال الفريق بعيداً عن الانتهاء من تشريح نموذجهم.