سحرت المذنبات وأرهبت البشر لآلاف السنين. كان ينظر إليها في السابق على أنها نذير شؤم، وتشير إلى كارثة قادمة، لكنها اليوم تخضع لأبحاث علمية مكثفة. نحن نعلم الآن أنها بقايا جليدية ناتجة من تشكّل مجموعتنا الشمسية، إذ تقضي معظم وقتها بعيدا عن الشمس، متجاوزة حتى مدار بلوتو. وهي تسقط عموديا في بعض الأحيان باتجاه المجموعة الشمسية الداخلية، ويعتقد كثير من الفلكيين أن المذنبات التي ارتطمت بالأرض كانت مسؤولة عن توفّر معظم المياه الموجودة على كوكبنا اليوم.
ومن المحتمل حتى أنها تسببت في ترسيب مركبات عضوية معقدة، ربما مثّلت اللبنات الأساسية للحياة نفسها. والمؤكد هو أنها مسؤولة عن زخّات الشهب الرائعة التي نستمتع بها في كل عام. وخلال مرور الأرض عبر ذيل الحطام الذي خلفه أحد المذنبات، تحترق تلك المواد في الغلاف الجوي مُنتجة شهبا.
أشهر هؤلاء الزوار المتكررون هو المذنب هالي، وهو المسؤول أيضا عن زخّة شهب الجباريات. وباعتباره كرة دوارة من الجليد والغبار، فقد رصده البشر منذ عام 240 قبل الميلاد على الأقل، بل ويظهر حتى في نسيج بايو الشهير. وقد ظهر لآخر مرة في عام 1986، عندما أرسلت وكالة الفضاء الأوروبية مسبار غيوتو Giotto لدراسة نواته؛ ولن يعود مرة أخرى حتى عام 2061. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من المذنبات غير المكتشفة في انتظار أن يُعثر عليها، وكثير منها يكتشفه الهواة.
ويعد المذنب لافجوي Lovejoy من أشهر هذه المذنبات وأروعها في السنوات الأخيرة.
وقد مر أمام الأرض مرة أخرى في عام 2011 واكتشفه الفلكي الأسترالي الهاوي تيري لافجوي من منزله في ولاية كوينزلاند، مستخدما تلسكوبا للهواة كلفته نحو 750 جنيهاً إسترلينياً (1,250 دولار أمريكي). وصَوَّره لاحقا مرصد الشمس والغلاف الشمسي SOHO التابع لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا، عند مروره أمام الشمس، وكذلك طاقمُ محطة الفضاء الدولية. كيف يمكنك، أنت أيضا، البدء بصيد المذنبات؟
أولا، ستحتاج إلى معرفة السماء. وتصبح المذنبات مرئية عندما تصل إلى نفس بُعد كوكب المشتري عنا تقريبا. ومن ثمَّ فإذا كنت تعرف الموقع المحدد لكل شيء، فسيسهل عليك معرفة متى يظهر جرم جديد فجأة. وأفضل مكان للنظر هو على طول مستوى دائرة الكسوف Ecliptic Plane – وهي المنطقة من السماء التي تحدها العلامات الـ12 الشهيرة لدائرة البروج. وتحاذي هذه المنطقة القرص المسطح لمجموعتنا الشمسية تقريبا، لذلك فمن المرجح أن تعثر على المذنبات بالقرب من هذه المنطقة. ثمة تلميح بسيط آخر، وهو تجنّب الليالي التي يكون فيها القمر ساطعا أو بدرا.
وعلى الرغم من أن بعض الهواة اكتشفوا مذنبات باستخدام المناظير فقط، فمن الأفضل استخدام تلسكوب متوسط الحجم. ابحث عن مجال واسع للرؤية بحيث يمكنك مسح أجزاء كبيرة من السماء، وهذا يعني اختيار عدسة عينية واسعة لتمنحك تكبيرا منخفضا. وكذلك يستثمر كثير من صيادي المذنبات في شراء كاميرا مقترنة الشحن CCD يمكن تركيبها على التلسكوب. وعن طريق التقاط صور التعرض الطويل، ستتمكن من تصوير أجرام يصعب عليك اكتشافها بعينيك المجردتين. وهذا يعني أيضا أنه يمكنك تسجيل ما اكتشفته واستخدام برمجيات حاسوبية لمساعدتك على تقديمه إلى السلطات المختصة. وما تبحث عنه هو شيء مبهم لا يبدو أنه ينتمي لمجموعة معروفة. لكن حذار، فقد تخدعك أجرام مبهمة أخرى ليست بالمذنبات.
وفي أواخر القرن الثامن عشر واجه صياد المذنبات الفرنسي الشهير شارل ميسييه المشكلة نفسها. كان يصادف باستمرار مذنبات محتملة، فيكتشف بدلا من ذلك أنها مجرات، أو عناقيد من النجوم أو سدم بعيدة. وقد أعد ميسييه قائمة بهذه الأجرام لمساعدة صيادي المذنبات الآخرين.
ولا يزال فهرس ميسييه هذا يستخدم حاليا على نطاق واسع من قبل الفلكيين المحترفين والهواة. تظهر بعض أجرام سماء الليل الشهيرة في القائمة، بما في ذلك سديم الجبارM42 والثرياM45.
وتمثل قائمته أداة عظيمة الفائدة إذا أردت ألا تضل طريقك عبر السماء. وتعد الحركة إحدى الخواص الرئيسية الأخرى التي ينبغي أن تبحث عنها. وتظل الأجرام الواقعة خارج مجموعتنا الشمسية- مثل النجوم والسدم- في موقع ثابت بالنسبة إلى الكوكبات. وكذلك، فإن هذه الكوكبات تتحرك طوال الليل مع دوران الأرض، لكن كل شيء خارج المجموعة الشمسية سيبدو أنه يتحرك معها بالمعدل نفسه.
يمكن للأجرام القريبة منا أن تتحرك بسرعات عالية- فقد تصل سرعة المذنبات إلى مئات الأميال في الثانية الواحدة. إذا كنت محظوظا بما فيه الكفاية للعثور على مذنب جديد تماما، فلابد من المصادقة عليه من قبل مركز الكواكب الصغرى، وبعد ذلك يمكنك تسمية المذنب. لكن ما مدى صعوبة تعلم المهارات المطلوبة لكي تكون صيادا ماهرا للمذنبات؟ يشبه الأمر تماما تعلم العزف على الكمان- فبإمكانك عزف لحن في غضون أسابيع قليلة، لكنك ستحتاج إلى سنوات لتصبح خبيرا. ويمكن الاطلاع على مزيد من المعلومات عن الجوانب التقنية لصيد المذنبات من خلال قراءة دليل مركز الكواكب الصغرى عن القياس الفلكي للأجرام الصغرى، الذي يمكن العثور عليه بسهولة في معظم المكتبات، فضلا عن العديد من المتاجر على الإنترنت. ويحتاج صيد المذنبات إلى بعض الجهد، وإلى كثير من الصبر، لكن المكافآت قد تكون هائلة، فقد تكون أول إنسان يرى كتلة قديمة من الجليد السماوي الذي ظل يدور حول المجموعة الشمسية بلايين السنين دون أن يرصده أحد. إضافة إلى ذلك، فإن المذنب قد يحمل إلى الأبد اسمك، أو الاسم الذي تختاره، باعتبارك مكتشفه.