رائد الفضاء مايك ماسيمينو
مع صدور مذكراته بعنوان زرائد الفضاءس، أجرينا حوارا مع مايك حول عمله في وكالة زناساس على مدى 18 عاما.
يُنسب إليه الفضل باعتباره الرجل الذي أصلح تلسكوب هابل الفضائي، يشرح المخضرم الذي شهد رحلتين لمكوك الفضاء ما يتضمنه التدريب على السفر إلى الفضاء وكيف يمكن أن تصبح رائد فضاء.
في أي مرحلة من حياتك أدركتَ أنك تريد أن تصبح رائد فضاء؟
بالنسبة إليّ، بدأ الحلم عندما خطا نيل أرمسترونغ خطواته الأولى على سطح القمر. كنت في السادسة من عمري حينئذ. ومن ثم تبلور اهتمامي في ذلك الوقت. لقد فكرت في أن) الهبوط على سطح القمر) هو أهم الأحداث الجارية، والشيء الأكثر إثارة الذي رأيته. وعلى الرغم من أن عمري لم يكن يتجاوز السادسة، فقد عرفت أنني لن أرى شيئا يشبه ذلك في حياتي. لقد تغيرت حياتي إلى الأبد.
ولكن بعد ذلك تبدّد الحلم نوعا ما، فقد اعتقدت أنه يستحيل تماما أن أصبح رائد فضاء. فكرت أنه لا سبيل إلى ذلك، فكيف يمكن أن يحدث هذا؟ لكن حلمي تجدد عندما انتهيت من دراستي الجامعية. فبعد أن عملت بالفعل، أدركت أنني في حاجة حقا إلى أن أفعل شيئا في برنامج الفضاء لكي أكون سعيدا.
لقد شاركتَ في رحلتين لمكوك الفضاء، هل يمكنك إخبارنا بما يتضمنه التدريب قبل الانطلاق إلى الفضاء؟
كرائد فضاء، تُدرَّب على القيام بكل أنواع الأمور: ستتعلم أن تقود طائرة عالية الأداء، وستتعرف على أنظمة مكوك الفضاء ومحطة الفضاء، وتتعلم العمل ضمن فريق في عمليات المحاكاة. ستتدرب، وتتدرب، وتتدرب. كانت مهمتي الأساسية في البعثتين هي تشغيل ذراعي الروبوت )كندا آرم) قليلا.
ومع ذلك، في نهاية المطاف صارت وظيفتي الأولى في الفضاء هي السير في الفضاء. وهكذا، فمن أجل أن تفعل ذلك، عليك أن تستخدم خبراتك المتنوعة معا، بما في ذلك استخدام الواقع الافتراضي، كما خضعنا لدروس لمعرفة المزيد عن بذلات الفضاء والتقنيات التي سنطبقها في الفضاء... وهلم جرا. يبدو كل ذلك وكأنه يتجمع في حوضنا الكبير– وهو مختبر الطفو المتعادل. وهو أكبر حوض في العالم، والذي يكفي لأن تضع بداخله مكوك الفضاء بكامله، أو حتى تلسكوب هابل الفضائي، فضلا عن محطة الفضاء الدولية. يمكنك التدرب في الماء على ما ستقوم بتنفيذه في الفضاء. أنت تطفو في عمود من الماء وكأنك تطفو في الفضاء. وبالنسبة إلي، كانت تلك هي الأحداث الكبرى. كان التدريب على السير في الفضاء تجربة رائعة.
هل يمكنك أن تصف شعورك وأنت تطير في مكوك الفضاء؟
أثناء الإطلاق، ستستلقي على ظهرك لبضع ساعات، وذلك استعدادا للتحرك، وبعد ذلك “سيستيقظ” مكوك الفضاء. عندما نظرت إليه من الخارج، بدا وكأنه على قيد الحياة… لقد كان يشبه الوحش. بعد أن تصير بالداخل ستبدأ العد التنازلي ثم يبدأ نشاط) المكوك) قبل ست ثوان من الانطلاق. تبدأ المحركات الرئيسية .ستشعر وكأنها تتحرك إلى الأمام، وبعد ذلك تعود إلى الصفر. وعند نقطة الصفر، تعمل الصواريخ الصلبة، ومن ثم تبدأ في التحرك بسرعة ٠٠١ ميل 161) كم) في الساعة. لقد وصلنا إلى سرعة ٠٠٠١١٧ ميل (٣٩٢٨٨١ كم) في الساعة في غضون ثماني دقائق ونصف الدقيقة، أي كان هناك قدر هائل من التسارع. عندما انطلقنا، انتابني شعور، وهو جزء من الصعود إلى أعلى، بأنني أغادر الكوكب لأول مرة. كنت أغادر موطني.
كنتَ أول رائد فضاء يستخدم تويتر في الفضاء. هل هذا الأمر كنتَ تنوي فعله قبل الانطلاق إلى الفضاء؟
نعم كنت أنوي ذلك! لم أكن أعرف أي شيء عن تويتر، لكنه صار شائعا في عام ٨٠٠٢ أو ٩٠٠٢. كانت رحلتي الثانية إلى الفضاء في مايو ٩٠٠٢، وكانت دائرة العلاقات العامة لوكالة “ناسا” تفكر في جعل أحد رواد الفضاء يبدأ في استخدام تويتر. وقد اتفق فقط أن تزامن توقيت رحلتي مع الوقت الذي أرادوا فيه ذلك. ولذلك فقد أبلغتني وكالة “ناسا” بفكرة البدء في استخدام تويتر قبل شهر تقريبا من انطلاقي في الفضاء. عمدوا إلى تعديل هاتفي وحاسوبي، وعلّموني كيفية فعل ذلك. وقد أعجبني حقا تبادل خبراتي في الانطلاق إلى الفضاء أكثر من أي رائد فضاء آخر أعرفه. فأنا أستمتع كثيرا بالحديث عن التجربة – ليس فقط الطيران، ولكن الأشخاص الذين أعمل معهم: رواد الفضاء، والناس الذين يساعدوننا على التحضير للانطلاق، فضلا عن أن الصداقة الحميمة والعمل الجماعي وحتى الأمور المثيرة التي نفعلها على الأرض كانت رائعة حقا. تخيل أنني كنت مجرد باحث أكاديمي مدني قبل أن أصبح رائد فضاء. لقد حلمت بذلك، لكنني لم أكن أعرف حقا ماهيته، ومن ثم فعل هذه الأمور- قيادة طائرات عالية الأداء والتدريب على السير في الفضاء، وإجراء عمليات المحاكاة، والاستعداد للطيران في الفضاء ثم الانطلاق عبر الفضاء بالفعل، كان خارجا عن المألوف تماما بالنسبة إليّ. أحب مشاركة ذلك مع الآخرين لأنها كانت تجربة استثنائية وفريدة من نوعها.
لقد ساعدتَ في إصلاح تلسكوب هابل الفضائي. ماذا تعنيه المشاركة في هذا الحدث التاريخي في السفر عبر الفضاء؟
كان ذلك أمرا استثنائيا حقا. كانت معظم الرحلات التي أجريناها خلال مسيرتي المهنية متعلقة بمحطة الفضاء – تركيب وتجميع قطع من مكونات محطة الفضاء، بعثات على المكوك الفضائي – وكانت جميعها بعثات رائعة. لكن هابل بالنسبة إليّ، كان أفضل رحلة يمكنني أن أكون على متنها. كانت بعثة هابل رائعة حقا بسبب عمليات السير في الفضاء التي أديناها، إذ لم تكن المهمة الأصلية تتضمن السير روتينيا بعيدا عن المركبة الفضائية. كانت المهمة تنطوي على شيء مختلف – فبسبب ارتفاع هابل العالي، وهو أعلى بنحو ٠٠١ ميل (161 كم) من محطة الفضاء، ستحصل على منظور مختلف، ومن ثم سترى قدرا أكبر من هذا الكوكب، مثل درجة انحنائه. وفي البعثتين اللتين شاركت فيهما إلى المكوك، حققنا أرقاما قياسية بخصوص زمن السير في الفضاء. لقد حققنا الرقم القياسي في واحدة من رحلاتي، وحطمنا هذا الرقم القياسي في رحلتي الثانية- خمس عمليات للسير في الفضاء في خمسة أيام متتالية. ومن ثم فقد كانت فرصة رائعة أن أعمل على هذه الأداة الرائعة. والشيء الوحيد الذي لم أدركه في رحلتي الأولى، ولكني فعلته في الثانية، هو أنني أردت أن أطير إلى التلسكوب هابل مرة أخرى. كان فريق هابل – سواء على الأرض أو في الفضاء – من أروع الفرق التي يمكن أن تكون عضوا فيها. هناك قدر كبير من التفاني و الإخلاص.
كيف شعرت عند السير في الفضاء؟ ما الذي تستشعره في الفضاء حقاً؟
عندما تسير في الفضاء، فأنت تشبه الغواص إلى حد ما، فتتفاعل مع بيئة «الفضاء». ستشعر بالفعل وكأنك رائد فضاء. لم يكن الأمر متعلقا بوجودي في سفينة الفضاء مع أشخاص آخرين، لكنني كنت الرجل الوحيد الذي يرتدي بذلة فضاء. كنت هناك في الفضاء، بمفردي تماما، مع نظام دعم الحياة الخاص بي، كما كان بوسعي أن أنظر إلى أي اتجاه شئت. يمكن أن أنظر وأرى كوكب الأرض من حيث موقع هابل نفسه. كانت رؤية الكوكب والنجوم خلال السير في الفضاء تجربة مذهلة حقا. إن أعظم شيء يمكن للمرء أن يفعله هو الطيران في الفضاء.
إذا أمكنك الذهاب في رحلة ذات اتجاه واحد إلى المريخ، فهل ستفعل ذلك؟
لا) يضحك . ( لن أذهب في رحلة اتجاه واحد، بل سأعود! لا أعتقد أنها فكرة جيدة أن أتوجه في رحلة ذات اتجاه واحد إلى أي مكان. إذا كان بوسعي أن أعود، فستكون الإجابة بنعم، سأذهب إلى المريخ بكل تأكيد. لقد عشت على الأرض فترة طويلة جدا، وقد حان الوقت بالنسبة إليّ لكي أنطلق إلى الفضاء. وفي وجود كل هذه الشركات الخاصة ) التي تهدف إلى بلوغ المريخ (، لا بد أن تحقق إحداها النجاح. لم أعد أعمل رائدَ فضاء لدى “ناسا”، ومن ثم أحتاج إلى الوصول إلى الفضاء مرة أخرى بطريقة ما. سيكون المريخ وجهة رائعة. وأود حقا أن أذهب إلى هناك.
هل لديك أي نصيحة لمن يود أن يصبح رائد فضاء؟
نعم! أعتقد أنها مهمة كبيرة، وإذا كنتَ مهتما بالأمر فعليك أن تسعى إلى تحقيقه. يعد تيم بيك مثالا عظيما – فهو رجل رائع وقدوة ممتازة للشباب. لقد ظننت أنه سيكون من المستحيل أن أصبح رائد فضاء- فأنا لا أحب المرتفعات، ولا أحب القيادة بسرعة. كنت أميل إلى النمط الأكاديمي. ولكن إذا كان ذلك شيئا تود حقا أن تفعله، فعليك أن تفعله. هناك العديد من المسارات لتحقيق ذلك، فبوسعك أن تصير طيارَ اختبارٍ عسكريا أو باحثا أكاديميا. لقد طرت إلى الفضاء مع طبيب بيطري، وهو أمر قد تظنه غير مألوف، فضلا عن علماء في المحيطات والجيولوجيا، والفيزياء الفلكية… وهلم جرا. يجب عليك متابعة أي شيء تحب القيام به- سواء كان العلوم، أو الرياضيات أو الحوسبة، أو أي شيء تحب عمله. من شأن ذلك أن يجعلك في وضع جيد لأن تصبح رائد فضاء.