ذوبان القارة القطبية الجنوبية
لماذا تنفض قارة الأرض المتجمدة كلَّ هذا الجليد
بقلم: سكوت داتفيلد
إنها أبرد مكان على هذا الكوكب، لكنها موضوع ساخن عندما يتعلق الأمر بأزمة المناخ. فالقارة القطبية الجنوبية Antarctica قارة ضخمة تحتوي على %90 من الجليد في العالم. ولأكثر من 100 مليون سنة، كانت القارة التي تغطي القطب الجنوبي ملاذاً استوائياً، قبل أن يؤدي تحول مناخي دراماتيكي إلى تجريدها من سطحها الأخضر المورق واستبدالها بطبقة جليدية منذ نحو 34 مليون سنة. ومنذ ذلك الحين صارت القارة القطبية الجنوبية عملاقاً متجمداً، بمتوسط سُمك جليد سطحي يبلغ 2,160 مترا ودرجات حرارة قد تنخفض إلى أقل من °80-س. وتتألف من جزأين متميزين، شرق وغرب القارة القطبية الجنوبية، يشغلان مساحة إجمالية قدرها 5.4 مليون ميل2.
تنظم هذه الأرض المتجمدة درجة حرارة الأرض العالمية من خلال عملية طبيعية تسمى تأثير الألبيدو (البياض/الوضاءة) Albedo effect. تعكس الأسطح البيضاء، مثل مساحات الثلوج في القطب الجنوبي، الإشعاع الشمسي القادم. للقيام بذلك، تُرسل الحرارة الناتجة من الإشعاع مباشرة إلى الفضاء. وفي المقابل، تمتص الأسطح الداكنة مثل التربة والخرسانة أشعة الشمس والحرارة. ومن دون القارة القطبية الجنوبية، ستُمتص كل الحرارة المنعكسة، مما يرفع درجة حرارة الكوكب العالمية بسرعة.
على الرغم من أن تأثير الألبيدو يجعل القارة القطبية الجنوبية بالغة الأهمية، إلا أنه أيضاً أحد أسباب انكماشها.
منذ أوائل القرن العشرين، بدأت الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية في معظم أنحاء العالم تذوب بمعدل متسارع، ويُلقى اللوم في ذلك على أفعال البشرية- خاصة منذ ظهور الصناعات الثقيلة.
ومنذ منتصف القرن الثامن عشر، غُمرت أوروبا وأمريكا في الدخان والضباب الدخاني للثورة الصناعية. ومنذ ذلك الحين، واصل التصنيع الشامل في معظم أنحاء العالم إلقاء الغازات الضارة في الغلاف الجوي. ويؤدي حرق أنواع الوقود الأحفوري، مثل الفحم والغاز الطبيعي، إلى إطلاق الغازات التي تؤدي لاحقاً إلى إذابة الجليد عن القارة القطبية الجنوبية بفعل الاحترار العالمي. وتعمل غازات الدفيئة هذه، مثل ثاني أكسيد الكربون، على عزل الكوكب بامتصاص أو احتباس الحرارة الشمسية، حيث تعمل القارة القطبية الجنوبية بشكل فعال على الانعكاس. ويؤدي هذا بعد ذلك إلى زيادة درجة الحرارة العالمية ويؤدي مباشرة إلى ذوبان الجليد في العالم، بما في ذلك القطب الجنوبي. وتشير دراسات أخرى إلى أن تغيرات الرياح قد تؤدي أيضاً دوراً في فقدان الجليد المستمر من القارة القطبية الجنوبية، خاصة في مناطقها الغربية. تاريخياً، كانت الرياح تهب عبر المياه الدافئة لبحر أموندسن Amundsen Sea المجاور باتجاه الغرب. ويساعد ذلك على منعها من الوصول إلى الأنهار الجليدية البارزة المعرضة لخطر الذوبان على ساحل القارة القطبية الجنوبية. ومع ذلك، تشير التقارير الأخيرة إلى أن هذه الرياح تتناوب الآن أكثر بين الشرق والغرب، مما يسمح لمياه بحر أموندسن الدافئة بإذابة الأنهار الجليدية عندما تتحرك شرقاً. ويُعتقد أن التغيرات في الرياح ناتجة بدورها من الاحترار العالمي الذي يؤثر في ضغط الهواء وأنماط الرياح. وتشير التقديرات إلى أن 118 غيغا طن من الغطاء الجليدي في القطب الجنوبي تُفقد سنوياً نتيجة لذلك، وهو ما يسبب مشكلات عالمية خطيرة.
يمكن القول إن أكبر تهديد من استمرار ذوبان القارة القطبية الجنوبية هو ارتفاع مستويات سطح البحار عالميا، فهو يزيد من مخاطر تآكل السواحل وحدوث الفيضانات، مما يقلل في النهاية من مساحة الأرض الصالحة للسكنى. ومنذ عام 1880 ارتفع متوسط مستوى سطح البحر العالمي بمقدار 21 إلى 24 سم، ومن المتوقع أن يرتفع بمقدار 20 إلى 30 سم أخرى بحلول عام 2050. وستؤثر هذه الزيادة بشكل مباشر على 300 مليون شخص حول العالم، إذ تشير بعض التقارير إلى أنه بحلول عام 2100، ستقع الأراضي التي يشغلها حالياً 200 مليون نسمة تحت خط المد العالي. وإلى جانب فقدان الأراضي، يؤثر ذوبان الجليد بالقطب الجنوبي أيضاً في درجة حرارة وتيارات محيطات العالم ويغير أنماط الطقس العالمية.
على الرغم من عدم إنكار أن الانهيار الحالي للقارة القطبية الجنوبية هو أحد أكبر التهديدات التي تواجه البشرية، إلا أن العديد من البلدان حول العالم تجري تغيرات قد تكون لها تأثيرات سلبية في القارة القطبية الجنوبية. ومن المتوقع أن تكون عتبة الخسارة غير المرتجعة للغطاء الجليدي في غرب القارة القطبية الجنوبية نتيجة لاحترار عالمي متوسط يتراوح بين 1.5 إلى °2س. هذا، وتهدف الاتفاقيات البيئية العالمية، مثل اتفاقية باريس Paris Agreement، إلى خفض متوسط الاحترار العالمي من خلال فرض ضوابط على الانبعاثات والاستثمار في الطاقة المتجددة، لمحاولة إنقاذ القارة الجليدية.