دحض خرافة مصاصي الدماء
كيف يمكن للعلم تفسير الظاهرة التي دفعت الكثير من الناس إلى الاعتقاد بوجود الموتى الأحياء
ترجع خرافات الكائنات التي تتحدى الموت وتتغذى بالأحياء إلى العصور القديمة. وتتضمن تقاليد العديد من الحضارات المبكرة مخلوقات مصاصة للدماء، مثل الشيطانة لاميا Lamia آكلة الأطفال في الميثولوجيا الإغريقية القديمة وأشباح الإديمو Edimmu الماصّة للحياة في أسطورة بلاد ما بين النهرين. وصار الاعتقاد بوجود مصاصي الدماء شائعا بشكل خاص في الفولكلور الأوروبي في القرون الوسطى واستمر لمئات السنين، فكثيرا ما كانت الخرافات المتعلقة به تعاود الظهور خلال أوبئة الطاعون والأمراض الأخرى. ولكن مع تحسن فهمنا العلمي، فقد حلّت الألغاز المتجذرة في هذه المعتقدات. ويمكن تفسير الأنياب الضخمة، وكراهية أشعة الشمس ووجود دماء حول الفم باعتبارها أمراضا لم تكن معروفة آنذاك، وكذلك العملية الطبيعية للتحلل التالي للوفاة.
الأنياب وأشعة الشمس والثوم
لمصاصي الدماء في الأساطير الكلاسيكية أنياب بارزة لتخترق رقاب ضحاياهم، كما يظهرون ليلا ولديهم جلد شاحب بسبب تجنبهم لأشعة الشمس. ويمكن أيضا إبعادهم باستخدام الثوم.
وبفضل التقدم الطبي، فنحن نعلم الآن العديد من الحالات التي يمكن أن تفسر بعض هذه السمات. البرفيرية Porphyria هي مجموعة من الحالات المرضية التي ربما ساهمت في خرافة مصاصي الدماء. وفي أحد أنواعها، وهو البرفيرية الخلقية المكوّنة للكريات الحمر CEP، يحدث تراكم سام للجزيئات الجلدية التي تُفعل بالضوء. وعندما يتعرض المصابون لأشعة الشمس، قد تسبب هذه السموم تآكل الجلد، وتتلف أنسجة اللثة، بحيث تجعل الأسنان تبدو أطول وشبيهة بالأنياب. وإضافة إلى الحساسية للشمس، يمكن للبرفيرية أيضاً أن تجعل المصابين شديدي الحساسية للأطعمة الغنية بالكبريت، مثل الثوم.
ويمكن أن يعاني المصابون بداء الكلب Rabies من أعراض مشابهة، وهو فيروس مميت قد ينتقل إلى البشر إذا عضهم حيوان مصاب. وقد يتعرض المصابون بداء الكلب للأرق، ويصبحوا عدوانيين- بل يحاولون عضّ الناس- ويتجنبون المحفزات القوية، بما في ذلك الضوء الساطع والروائح القوية مثل الثوم. وكذلك يتوافق تشخيص داء الكلب مع التصوير الشائع لمصاصي الدماء كذكور يطاردون ضحاياهم من الإناث. وهذه الحالة أكثر شيوعاً بسبع مرات لدى الرجال، وقد تؤدي إلى زيادة الرغبة الجنسية من خلال التأثير في الجهاز الحوفي للجسم.
عطش للدماء
في الأوقات التي كان الناس فيها يخشون مصاصي الدماء، كانت القبور تُنبش أحيانا للتحقق من أن الجثث لا تزال ميتة.
وقد تفاقمت مخاوف الناس عندما عثر على جثث تنزّ الدماء من أنوفها وأفواهها. في الواقع، ما بدا كالدم كان في الواقع «السائل المسهّل» الناتج من عملية التحلل الطبيعي عندما تبدأ الأعضاء الداخلية بالتحلل. وساهمت أعراض الأمراض أيضا في خرافة مص الدم. والسل (TB) هو عدوى بكتيرية تصيب الرئتين في المقام الأول وتجعل المصابين يسعلون دماً. وقبل فهم المرض، وألقى الناس باللوم في هذه الوفيات الغامضة على القوى الخارقة. فمثلا، كان «ذعر مصاصي الدماء» في نيو إنغلاند في أوائل القرن التاسع عشر عبارة عن تفش لمرض السل الذي أصاب عائلات بأكملها. وألقي اللوم على إقدام الضحية الأولى في الأسرة بطريقة ما بالتغذي بأقاربه الذين ظلوا على قيد الحياة من وراء القبر. وعندما أخرجوا الجثث لمحاولة منع ما ظنوا أنه نشاط يتعلق بمص الدماء، تأكدت مخاوفهم (عن طريق الخطأ) بفعل حقيقة أن ضحايا السل كثيرا ما تكون أفواههم مليئة بالدم.