تستطيع أدمغتنا أن تفهم الجمل المكتوبة في «غمضة عين»
بقلم: بن تيرنر
توصلت دراسة جديدة إلى أن أدمغة البشر يمكنها تمييز البنى الأساسية للغة المكتوبة بلمحة واحدة، مما يمكِّننا من استيعاب سيل المعلومات التي تبثها الهواتف الذكية بسرعة. فعن طريق قياس نشاط أدمغة 36 متطوعًا، وجد علماء أن البشر يمكنهم اكتشاف البنى الأساسية للجمل في أقل من 125 مللي ثانية، أو بسرعة غمضة عين. ويعني هذا أن البشر يمكنهم معالجة الكلمات بالسرعة نفسها التي يفهمون بها المشاهد المرئية، وهي مهارة تمكننا من مراقبة العالم من حولنا والتنقل عبْره باستمرار. قال الباحثون إن الاكتشاف الجديد، الذي نُشر في أكتوبر 2024 في مجلة ساينس أدفانسز Science Advances، قد يساعد على اكتشاف أدلة رئيسية حول كيفية تشفير أدمغتنا للغة.
تُمكن دراسة كيفية معالجة الدماغ للرسائل المكتوبة العلماءَ من فهم مزيد عن خصائص اللغة، ولا سيما تلك التي لا ترتبط بالكلام. تقول لينا بيلكانين Liina Pylkkänen، أستاذة اللغويات وعلم النفس في جامعة نيويورك، إن دراسة علم الأعصاب للغة كثيرًا ما تكون صعبة بسبب الفم لأنه «يجبرنا على تحويل اللغة إلى متوالية» من النشاط الدماغي من أجل التلفظ بالكلمات بصوت عالٍ، وهذا يقيد فَهمنا لخصائص اللغة بتلك التي يتطلبها التسلسل اللازم للكلام، والذي يحدث كلمة بكلمة. ولتجنب هذه المشكلة، استخدم الباحثون تقنية غير جراحية تسمى تخطيط الدماغ المغناطيسي Magnetoencephalography، والتي تستخدم المجالات المغناطيسية لتتبع النشاط الكهربائي في الدماغ. وفي أثناء المسح عرضت على المتطوعين بنية جملة مكونة من 3 كلمات، والتي تومض على الشاشة لمدة 300 مللي ثانية، تليها مجموعة ثانية من الكلمات التي تُركت كما هي أو غُيِّرت فيها كلمة واحدة. تمثلت مهمة المشاركين في تقييم ما إن كانت الجملة الثانية هي الجملة الأولى نفسها أو أنها غُيِّرت.
كشفت عمليات المسح أن القشرة الصدغية Temporal cortex اليسرى للدماغ، وهي جزء من الطبقة الخارجية لذلك العضو والتي تُعَد مفتاحًا لفهم اللغة، أظهرت نشاطا أعلى عند عرض الجمل المكونة من 3 كلمات مقارنة بقوائم الكلمات غير المنظمة- كما ظهر هذا النشاط خلال 125 مللي ثانية فقط. وأظهر المشاركون أفضل أداء لهم عندما احتوت الجمل على فاعل وفعل ومفعول به، مع ملاحظة أسرع نشاط للدماغ عند عرض عبارات مثل «الممرضات يُنظفن الجروح» مقارنة بقوائم الأسماء مثل «القلوب والرئتان والكبد». كما لوحظ هذا الاكتشاف السريع للجمل التي تحتوي على أخطاء اتفاقية، حيث لا يتطابق الفعل مع صيغة الجمع للفاعل، مثل «الممرضات ينظف الجروح». كما اكتشف الدماغ بسرعة الجمل غير المعقولة، مثل «الجروح تنظف الممرضات». وقال الباحثون إن هذا يشير إلى أن أدمغتنا لا تكتشف وجود الكلمات فحسب، بل إنها تطبق معرفتنا السابقة بالعالم للتحليل الفوري لمعنى الجمل بنحو أفضل. قالت بيلكانين: «مثلما يمكنك التعرُّف بسرعة على سيارتك في موقف السيارات، يمكن التعرف بسرعة على بعض البنى اللغوية، مما قد يكون له تأثير سريع في بناء الجملة في الدماغ. إنه أمر مشوِّق لأن المعرفة البنيوية [للجمل] مجردة، لكنك تظل قادرًا بطريقة ما على فهمها من المحفز».
