تاريخ الفاتيكان
تقع هذه المدينة الصغيرة في قلب روما، العاصمة الإيطالية الصاخبة، وظلت مركزاً للعالم الكاثوليكي منذ قرون
بقلم: تيم ويليامسون
مدينة الفاتيكان هي المركز الروحي والمادي للكاثوليكية ومقر رئيس هذه الديانة، أي البابا. وعلى الرغم من العدد الضئيل لسكانها، البالغ 800 نسمة، وكونها في حراسة أصغر جيش في العالم، تستضيف المدينة نحو خمسة ملايين زائر سنوياً، بمن في ذلك الحجاج المتدينين والسياح الفضوليين من جميع أنحاء العالم. ومنذ أن بدأ بناؤها في القرن الخامس، نجت المدينة من حروب مدمرة إضافة إلى العديد من عمليات إعادة التصميم الجذرية. فالمدينة التي نراها اليوم هي مجرد جزء ضئيل من مساحة الأراضي الشاسعة التي كانت تسيطر عليها الكنيسة الكاثوليكية، والتي يحكمها الكرسي الرسولي. تاريخياً، شكّلت هذه الولايات الباباوية جزءاً كبيراً من وسط شبه الجزيرة الإيطالية، قبل أن يؤدي توحيد إيطاليا في عام 1871 إلى تقليصها إلى حدود أسوار الفاتيكان. ففي شكلها الحديث ظلت دولة مدينة الفاتيكان قائمة منذ عام 1929، عندما منحتها المملكة الإيطالية استقلالها. وفي هذه المعاهدة تم تعريف الكرسي الرسولي ودولة مدينة الفاتيكان باعتبارهما كيانين منفصلين- فالأول هو كيان ذو سيادة معترف به قانوناً، أي المؤسسة الدينية، في حين أن الأخير هو الدولة نفسها بحدودها الجغرافية وحكومتها. ويترأس البابا كلاًّ من مدينة الفاتيكان والكرسي الرسولي. وهو يُعرف رسميا أيضا بأسقف روما؛ وممثل السيد المسيح؛ وخليفة أمير الحواريين؛ والحبر الأعظم للكنيسة الكاثوليكية؛ وعاهل دولة مدينة الفاتيكان، وغيرها من الألقاب. ففي دورهم كرؤساء للكنيسة الكاثوليكية، استخدم الباباوات الفاتيكان كمقر لإقامتهم منذ القرن الخامس. فقد بُني الفاتيكان في الموقع المفترض لدفن سانت القديس بطرس (سانت بيتر) (أحد حواريي السيد المسيح)، ولذلك فله أهمية دينية كبيرة لدى المسيحيين، والمبنى الحديث هو أحد روائع الهندسة المعمارية لعصر النهضة، كما يمتلئ بالقطع الفنية الأصلية. ومع ذلك، فقد واجهت الباباوية معارضة شديدة خلال الأزمنة المضطربة، وخلال القرن الرابع عشر على وجه الخصوص، تحدت الفصائلُ المتناحرة شرعيتَها. وظهر عدد من الباباوات المنافسين، والمعروفين أيضاً بـ«الباباوات المزيفين»، كمنافسين للبابا في روما، وتولى أحدهم زمام الحكم في أفينيون (تقع اليوم في فرنسا) اعتبارا من عام 1378. وخلال هذه الفترة كانت الباباوية متورطة بشكل كبير في السياسة الأوروبية، حيث باركت بل شاركت في شن الحروب على الدول المجاورة. وفي القرن الخامس عشر أمر البابا يوليوس الثاني بتحصين المدينة بجدران سميكة وبتكليف وحدة من الحرس السويسري بحمايته شخصياً، وهو تقليد استمر حتى يومنا هذا.
وفي كثير من الأحيان لم يكن الدين والعقيدة يمنعان ملوك يوروبا من إعلان الحرب على البابا. وفي عام 1527 تعرضت المدينة للهجوم واحتلها جيش متمرّد تابع لتشارلز الخامس، الإمبراطور الروماني المقدس. وفي عام 1808،تعرّضت المدينة مرة أخرى للتهديد بعد احتلال نابليون لروما. وبعد ضمّه لسائر الولايات الباباوية، اختطف الجيش الفرنسي البابا بيوس السابع الذي ظل رهن الاعتقال حتى عام 1814 وشهدت القرونُ التالية الانحسارَ الأخير لأراضي الكنيسة، ومنذ القرن العشرين، ظلت مدينة الفاتيكان هي الدولة الوحيدة التابعة للباباوية- ومع ذلك، فإن تاريخها الطويل وتقاليدها تظل تسحر الملايين عبر العالم.