النطاق العريض بالتيرابت
تَعِد التطورات الحديثة في مجال الألياف الضوئية بإطلاق العنان للنطاق العريض بسرعة تصل إلى 4.5 مليون ضعف سرعة اتصالك المنزلي
بقلم: جاك بارسونز
الإنترنت تغمره البيانات. هناك حالياً 5.35 بليون شخص متصل بالإنترنت- أي %66 من سكان العالم. في المتوسط، تجدهم يقضون 7 ساعات يومياً في تصفح الويب. و80% مما يفعلونه هو مشاهدة الفيديو، سواء كان ذلك مكالمات فيديوية للعمل أو مشاهدة عروض منصة نتفليكس Netflix. كلاهما يستهلك قدراً كبيراً من عرض النطاق Bandwidth، وهو ما نسميه بالمعدل الأقصى الذي يمكن نقل البيانات به، والذي يُقاس بالبت في الثانية .Bits per second
لا يقع الإنترنت تحت الضغط بسبب البشر وحدهم، فهناك أكثر من 15 بليون جهاز متصل بالإنترنت أيضاً. ونحو ثلثي هذه الأجهزة هي أجهزة شخصية مثل الهواتف والأجهزة اللوحية، والتي تزداد قوتها مع كل ترقية. كما إن هناك مئات الملايين من ”المجسات الذكية“ Smart sensors التي تتصل بالإنترنت من تلقاء نفسها، والتي تراقب كل شيء بداية من الطقس وحتى آلات المصانع. قد يُرسل كل منها جزءاً ضئيلاً فقط من البيانات، لكنها تعمل باستمرار، وبالنظر إلى أعدادها الهائلة فكل هذا يضاعف تأثيرها.
من السهل أن نظن أننا نعيش في عالم لاسلكي لا محدود. لكن أبراج هواتف الجيل الخامس 5G ليست سوى قمة جبل الإنترنت الجليدي. يُنقل نحو %95 من حركة المرور على شبكة الإنترنت في العالم عبر كبلات الألياف الضوئية، ومعظمها مخفي تحت الماء. حالياً، يتقاطع 378 من مجسات الاتصالات اللاسلكية هذه في قاع البحر. يبلغ الطول الإجمالي لهذه الكبلات نحو 74,564 ميل، وهي تربط جميع القارات باستثناء القارة القطبية الجنوبية.
لكن هناك طرقاً لتعزيز سعة الإنترنت؛ فبإمكاننا إضافة المزيد من الكبلات كبداية، وكذلك حشر مزيد من الألياف الضوئية التي تحمل البيانات في هذه الكبلات. ويمكن أيضاً تحويل حركة المرور إلى شبكات الأقمار الاصطناعية مثل كوكبة ستارلينك Starlink المملوكة لإيلون ماسك Elon Musk. لكن هذه الخطوات مكلفة وتستغرق وقتا طويلا ولا تؤدي إلا إلى تأجيل ما لا مفر منه. يتمثل الحل الحقيقي بجعل البنية التحتية أكثر ذكاءً. من بين طرق القيام بذلك، نجد التأكد من أنها تعمل بكفاءة أكبر، مما يؤدي إلى تحرير سعة الشبكة الحالية. ربما تكون جامعة أستون Aston University قد فعلت ذلك للتو، فقد تمكن باحثون في برمنغهام بالمملكة المتحدة من نقل البيانات بمعدل 301 تيرابت Terabits. يعني هذا 301 مليون ميغابت في الثانية Megabits per second، حيث يتكون كل ميغابت من مليون بت. يعادل هذا توصيل 1,800 فيلم بدقة 4K إلى منزلك في ثانية واحدة. كما إنه أسرع بمقدار 4.5 مليون ضعف متوسط سرعة النطاق العريض في المملكة المتحدة، التي لا تزيد على 69.4 ميغابت في الثانية.
ليست هذه بالسرعة الأعلى في العالم. حقق المعهد الوطني لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات National Institute of Information and Communications Technology (NICT) في اليابان 22.9 بيتابت في الثانية Petabits per second، أي أسرع بنحو 75 مرة من السرعة التي بلغتها جامعة أستون. ولكن لتنفيذ ذلك، تعين عليهم اختراع نوع جديد تماماً من الكبلات. يعمل نهج جامعة أستون، الذي طوّر بالشراكة مع المعهد الوطني لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومختبرات نوكيا بيل Nokia Bell Labs في الولايات المتحدة، على شبكة الألياف الضوئية المتوفرة حالياً. قال فلاديك فوريسياك Wladek Forysiak، الأستاذ في معهد أستون للتقنيات الضوئية: ”من خلال زيادة قدرة النقل في الشبكة الأساسية، يمكن أن تؤدي تجربتنا إلى تحسين الاتصالات بشكل ملموس للمستخدمين النهائيين. يسلط هذا الإنجاز الرائد الضوء على الدور الحاسم الذي تؤديه تكنولوجيا الألياف الضوئية المتطورة في إحداث ثورة في شبكات الاتصالات من أجل نقل البيانات بوتيرة أسرع وأكثر موثوقية“.
انتقل من خط الهاتف إلى الخط السريع باستخدام خيارات الاتصال هذه
1 خط الاشتراك الرقمي غير المتماثل ADSLتستخدم هذه الطريقة – وهي اختصار لعبارة ”خط الاشتراك الرقمي غير المتماثل“ Asymmetric Digital Subscriber Line – كبلات نحاسية لنقل الإشارات إلى خزانة على مستوى الشارع أو صندوق التوصيل ومن ثم إلى منزلك. تتسم شبكة الخطوط الهاتفية القديمة هذه بكونها بطيئة نسبياً.
2 من الألياف إلى الخزانة FTTC يستخدم النطاق العريض بطريقة ”من الألياف إلى الخزانة“ Fiber to the cabinet توصيلات كبلات الألياف الضوئية إلى خزانة على مستوى الشارع، ثم أسلاك نحاسية من هناك إلى منزلك. ويبلغ متوسط سرعته 67 ميغابت في الثانية Megabits per second، لكنها قد تصل إلى 80 ميغابت في الثانية.
3 بروتوكول نقل الملفات FTTPيعمل النطاق العريض بطريقة ”من الألياف إلى المبنى“ عبر كبلات الألياف الضوئية بطول الطريق إلى منزلك. إنه أسرع بكثير، حيث يبلغ متوسط سرعاته واحد غيغابت في الثانية Gigabit per secon. وكما أثبتت جامعة أستون، فبإمكانه بلوغ سرعات أعلى بكثير.
نشوب حريق ويجعلها أكثر أماناً من الكبلات النحاسية.
كيف فعلتها جامعة أستون؟
تنقل الحواسيب المعلومات عبر الألياف الضوئية عن طريق إرسال إشارات ضوئية. والأكثر من ذلك، أنها تستخدم نطاقات معينة من الطول الموجي للضوء، والتي تقع جميعها في الجزء دون الأحمر من الطيف، لذلك لا يمكن رؤيتها. لكن التبديل بين طول موجي يشبه نقل ألوان مختلفة من الضوء عبر الأنبوب الزجاجي. النطاق C (C-band) هو نطاق الطول الموجي الرئيسي الأكثر استخداماً للألياف الضوئية. وذلك لأنه يقع في البقعة الحلوة من الطيف التي تتعرض لتوهين منخفض أثناء انتقاله عبر الزجاج. يعني هنا أن الإشارة لا تفقد الكثير من الطاقة عبر المسافات الطويلة. أما النطاق L، الذي يتميز بطول موجي مختلف قليلاً، فيتميز بتوهين أقل، لذلك يُستخدم لإرسال المعلومات عبر مسافات أطول.
بمقدار 95 ضعفاً من عام 2005 إلى عام 2020
يمكن للشاحنتين السير بسهولة عبر الطرق الوعرة المصنوعة من الألياف، في حين تتعرض السيارتان لمزيد من التصادمات. تعين على الباحثين تطوير مضخمات جديدة تماماً لتعزيز إشاراتها الخاصة. يقول فيليبس: ”قبل تطوير أجهزتنا، لم يكن بوسع أحد محاكاة قنوات النطاق E كما ينبغي وبطريقة محكومة“.
يضيف فوريسياك: ”يمكن لزيادة سعة النظام باستخدام المزيد من الطيف المتاح – ليس النطاق C التقليدي فحسب، ولكن أيضاً النطاقات الأخرى مثل L وS والآن النطاق E – أن يساعد على خفض تكلفة توفير هذا النطاق الترددي“.
داخل كبل الألياف الضوئية
كيف تنتقل نبضات الضوء عبر الشبكة للإنترنت والمكالمات وغيرها
1 لب زجاجي Glass Core
هذه الألياف الزجاجية الرفيعة والعالية النقاء، والموجودة في هلام محكم الغلق هي لبّ الكبل. تنتقل نبضات ضوء الليزر التي تحمل المعلومات عبر هذا المسار بسرعات مذهلة.
2 كسوة عاكسة Reflective Cladding
تعمل هذه الطبقة المصنوعة من الزجاج أو البلاستيك كمرآة، حيث تعكس إشارة الضوء وتحافظ على ارتدادها إلى أسفل اللب. تسمح هذه الخدعة الذكية للبيانات بالانتقال لمسافات طويلة داخل الكبل.
3 ممتص الصدمات Shock Absorber
تحمي طبقة التوسيد Cushioning layer هذه اللب الرقيق والكسوة من الصدمات والاهتزازات وحتى الرطوبة التي قد تعيق الإشارة الضوئية.
4 قوة خفية Hidden Strength
هذه الخيوط الرفيعة، التي غالباً ما تُصنع من الكيفلار Kevlar، تمنح الكبل قوة مذهلة. وهي تمنعه من الانكسار تحت التوتر وتضمن قدرته على تحمل الدفع والسحب الناتجين عن الاستخدام اليومي.
5 الغلاف الخارجي Outer Casing
لحمايتها من التلف أو الرطوبة، تغلف الكبلات بمادة البولي إيثيلين Polyethylene، وهو بلاستيك صلب يستخدم أيضاً في صناعة زجاجات المياه.
6 سماكة قلم الرصاص Pencil Thin
يبلغ عرض كبلات الألياف الضوئية من 8 إلى 10 ملم. وعلى الرغم من أنها خفيفة الوزن وأسهل في التركيب من الكبلات النحاسية التقليدية، فهي تحمل معلومات أكثر بكثير.
أدى تسخير النطاقين E و S إلى زيادة السرعات في مختبر جامعة أستون. لكن المختبر هو الكلمة المفتاحية هنا، فهذا الإنجاز لا يزال في مرحلة البحث. تحتاج هذه التقنية إلى مزيد من الاختبارات للتأكد من موثوقيتها للاستخدام اليومي. وفي حين أن القدرة على استخدام الكبلات الحالية توفر التكاليف، إلا أن التحديات تظل قائمة. سيلزم إعادة إنتاج المضخمات الفريدة التي ابتكرها الفريق بطريقة تسمح بصنعها بكميات كبيرة وبتكلفة ميسورة، في حين أن تركيبها في معظم أنحاء العالم سيستغرق بعض الوقت أيضاً. إذا طرحت هذه التكنولوجيا، فلن تحصل على سرعة 301 تيرابت في الثانية في المنزل. الحقيقة هي أنك لا تحتاج حتى إلى هذا النطاق الترددي الكبير في الوقت الحالي، لكنك ستستمتع بالمزايا غير المباشرة حيث تُحدث معدلات النقل هذه تغيرات جذرية على مزودي خدمة الإنترنت ومراكز البيانات التي تستخدمها تطبيقاتك وألعابك المفضلة.
ما الشيء الرائع في السرعات بالتيرابت؟
1 ترقية بسرعة الضوء
سرعة الإنترنت هذه أسرع 4.5 مليون مرة من متوسط النطاق العريض المنزلي، لذا يمكنك تنزيل فيلم كامل في أجزاء من الثانية.
2 آلة صديقة للبيئة
نظراً لأن تقنية التيرابت تستخدم البنية التحتية الحالية للألياف الضوئية، فبإمكاننا الاستمتاع بزيادة هائلة في سعة البيانات دون التأثير البيئي الناجم عن الاضطرار إلى مدّ كبلات جديدة.
3 تغيير فعال من حيث التكلفة
نظراً لأن مزودي الشبكات يمكنهم الترقية من خلال إجراء تغييرات طفيفة فقط على شبكتهم الحالية، فإن طرح هذه السرعات الفائقة لا ينبغي أن يكسر البنك.
4 مواكبة الطلب
مع تحول المزيد من دول العالم إلى الإنترنت، يتوقع أن يتضاعف الاستخدام العالمي للبيانات بواقع 3 أضعاف بحلول عام 2027. يمكن لتقنيات مثل هذه أن تساعدنا على توسيع سعة بياناتنا.
5 إطلاق العنان للتقنيات الجديدة
مثلما جعل الإنترنت عالي السرعة خدمات الحوسبة السحابية والبث المباشر ممكنة، يمكن للنطاق الترددي بالتيرابت أن يسرّع ابتكارات مثل الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والجراحة عن بُعد التي تستخدم قدراً كبيراً من البيانات أو تحتاج إلى استجابة في الزمن الحقيقي.
تيرابت وراء تيرابت
1969 ربطت حواسيب في جامعات الولايات المتحدة باستخدام دوائر تبلغ سرعتها 50 كيلوبت في الثانية، فنشأت شبكة ”أربانت“ Arpanet، التي كانت بمثابة مقدمة للإنترنت.
1973 صار الإنترنت المبكر عالمياً، حيث ربطت شبكة ”أربانت“ بعدة حواسيب في لندن والنرويج بواسطة رابط عبر الأقمار الاصطناعية.
1983 أنشئت شبكة إيثرنت Ethernet لتوصيل الحواسيب عبر مسافات طويلة، حيث توفر سرعة قياسية قدرها 10 ميغابت في الثانية.
1991 اخترع تيم بيرنرز- لي Tim Berners-Lee الشبكة العنكبوتية العالمية في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية CERN، مما أحدث ثورة في كيفية وصولنا إلى المعلومات عبر الإنترنت.
1995 وصلت سرعات الطلب الهاتفي إلى ذروة بلغت 56 كيلوبت في الثانية، مما سمح بتنزيلات أسرع -وهو لا يزال بعيداً كل البعد عن المعايير حالياً.
1996 أتيحت الشبكة الرقمية للخدمات المتكاملة Integrated Services Digital Network (ISDN) تجارياً في بعض المناطق، فكانت توفر سرعة تصل إلى 128 كيلوبت في الثانية.
2000 أدى ظهور الإنترنت العريض النطاق إلى زيادة سرعات نقل البيانات بشكل ملموس، مما مكّن من تنفيذ أنشطة مثل مشاركة الصور وبث مقاطع الفيديو وممارسة الألعاب عبر الإنترنت.
2006 صارت كوريا الجنوبية الدولة الرائدة عالمياً فيما يتعلق بسرعات الإنترنت، حيث حققت سرعة 100 ميغابت في الثانية كمعيار للمستخدمين العاديين.
2009 أطلقت أولى شبكات بيانات الجيل الرابع 4G بتقنية التطور طويل الأمد (LTE)، مما جعل الإنترنت في متناول يد المستخدمين.
2016 أطلقت شركة غوغل العملاقة للتكنولوجيا خدمة غوغل فايبر Google Fiber بسرعة 1 غيغابت في الثانية في ولايات أمريكية مختارة، مما رفع حدود سرعات الإنترنت المنزلية.