القوة الحصانية
من القطارات إلى عربات الترام ومن الدراجات إلى القوارب: كيف صمدت وسائل النقل التي تجرها الخيول أمام اختبار الزمن
بقلم: تشارلي إيفانز
منذ فترة طويلة تُستخدم الخيول كوسيلة نقل وكانت في الأصل البديل الأكثر ملاءمة للمشي. ومنحت الخيولُ البشرَ القدرةَ على التحرك بشكل أسرع وأبعد بكثير مما يستطيعونه على قدميهم. وقد استُخدمت يومياً، عبر كل قارة، حتى اتسع انتشار محرك الاحتراق الداخلي واختُرعت السيارات. وعلى الرغم من أن كارل بنز اخترع محرك البنزين في عام 1879، فقد استغرق الأمر عقوداً حتى شاع استخدام السيارات. وازدهرت سوق السيارات منذ خمسينات القرن العشرين، لتحل إلى حد كبير محل الحاجة إلى الخيول.
تاريخ القوة الحصانية
منذ أكثر من 4,000 سنة، بدأ البشر يستخدمون العربات لقطع مساحات شاسعة من الأرض. وهذه العربات البسيطة التي تجرها الخيول هي أقدم العربات المعروفة التي تجرها الخيول. وكانت بالغة الأهمية لسائقيها لدرجة أنها وجدت مدفونة في الأرض كجزء من طقوس الدفن، ويعود تاريخ بعضها إلى عام 2000 قبل الميلاد واستُئنست الخيول لأول مرة قبل ذلك التاريخ بنحو 1,500 سنة في السهوب الأوراسية، وذلك أولا لاصطياد الخيول الأخرى لأكل لحومها ثم لاحقاً لنقل الأشخاص والبضائع. ومنذ استئناسها، فقد اُستخدمت الخيول في الرياضة، ومن قبل الجيوش، وكذلك كوسيلة للنقل. وبينما قلّصت الثورة الصناعية من اعتمادنا عليها تدريجيّاً، فقد ساعدت على تشكيل تاريخنا، ومكنت نوعنا من النجاح.
قوية وشديدة التحمّل وسريعة
اليوم، أقرب ما تجده إلى سباق العربات هو رياضة تسمى سباق اللجام Harness Racing. ويشتهر هذا النوع المتخصص من سباقات الخيول في جميع أنحاء العالم من فرنسا إلى أستراليا وفنلندا إلى الولايات المتحدة. وتتضمن هذه السباقات حصاناً يجر عربة صغيرة وخفيفة بعجلتين تُعرف بالسلكي Sulky. يشغل السائق عادة الجزء الأمامي من عربة السالكي ويقود الحصان من وضعية الجلوس. وعادة ما تكون الخيول المستخدمة في هذا النوع من السباقات من سلالة ستاندرد بريد Standardbreds، التي تختلف اختلافاً كبيراً عن الخيول الأصيلة، فأرجلها أقصر نسبيّاً وجسمها أطول. وتعني هذه الفسيولوجيا أنها تستطيع الركض دون أن تلمس أرجلها عربة السالكي، في حين يساعد مركز ثقلها المنخفض على تحقيق التوازن. ويمكن تتبّع أصول معظم خيول ستاندرد بريد المستخدمة في سباقات عربة السالكي إلى سلف مشترك واحد: ماسنجر، وهو جواد أصيل رمادي. أما ابن حفيد ماسنجر، هامبلتونيان 10؛ فهو مؤسس النسل الجديد، الذي لا يزال أحد أكثر خطوط نسب الخيول انتشاراً في أمريكا الشمالية حاليا.
تركض خيول سباقات عربات اللجام إما بطريقة الهرولة، حيث يحرك الحصان أرجله إلى الأمام في أزواج مائلة في الوقت نفسه، أو بطريقة الخَبَب، حيث تتحرك رجلاه الأماميتان معاً، تليهما رجلاه الخلفيتان. الخبب هو المشية الأسرع بين الطريقتين. وهي تستخدم جزئيّاً من أجل هذه السرعة الأعلى، ولكن أيضاً لأن الخيول تكون أقل عرضة لكسر خطوتها بسبب استخدام الوثاق، وهي حبال تقيد النطاق الكامل للحركة في أرجل الحصان وتبقيه راكضاً في مشية الخبب. فهذا مهم في عربات اللجام لأنه إذا بدأ الحصان بالركض مبكرا جدا، فيمكن أن يبطئ السائق بشكل كبير، فيجب إيقاف الحصان وإبطاؤه حتى يتمكن من استعادة المشية الصحيحة.
التنقل بالخيول للترفيه
بغض النظر عن الاحتياجات العملية والرياضية، هناك العديد من المركبات الحديثة التي تجرها الخيول كوسيلة نقل ترفيهية، فتزود الأفراد بتجربة فريدة من نوعها وأحياناً فاخرة للتجول عبر قناة أو استكشاف السكك الحديدية القديمة برفقة حصان.
مراكب الصنادل التي تجرها الخيول هي وسيلة نقل أخرى لا تزال تستخدم حتى اليوم، وكانت ذات يوم وسيلة نقل شائعة في إنجلترا وعبر المسارات المائية في أوروبا. وعلى الرغم من أنها لم تعد تُستخدم عمليّاً، فلا تزال أماكن مختلفة تستخدم طريقة النقل التقليدية هذه لعرض الكيفية التي كانت تعمل بها فيما مضى وتمنح الركاب رحلة ممتعة عبر الطبيعة بطول النهر. ويلزم شخصان لتشغيل هذه المركبة؛ أحدهما مسؤول عن قيادة وإدارة القارب في المياه العميقة، ويركز الآخر جهوده على قيادة الحصان.
وكانت الصنادل التي تجرها الخيول عملية وأسرع من البدائل الأخرى قبل أن تتوفر المحركات على نطاق واسع، لكنها كانت غير مريحة، خاصة إذا كنت سيِّئ الحظ بما فيه الكفاية لمواجهة صندل آخر تجره الخيول أثناء سفرك. وعند حدوث ذلك، فقد كان يتم إبطاء أحد الخيول حتى يرتخي حبل السحب ويتمكن الحصان الآخر من المرور فوق الحبل.
وعلى الرغم من هذا الإزعاج، كانت للصنادل التي تجرها الخيول قيمة خاصة؛ لأنها تستطيع جر حمولة أكبر بكثير منها على الأرض. ويمكن للحصان الذي يسحب قارباً بواسطة حبل مشدود إلى عدّته أن يجرّ وزناً يصل إلى 40 ضعف ما يمكنه سحبه على الطريق. وهذا ما يفسر سبب تمتعها بشعبية كبيرة في جميع أنحاء المملكة المتحدة حتى ستينات القرن العشرين كوسيلة للنقل التجاري عبر القنوات والسبل المائية العديدة في البلاد.
تراث العربات التي تجرها الخيول
قد تبدو قديمة الطراز، لكن المركبات التي تجرها الخيول ليست بقايا تاريخية- باستثناء قيمتها العاطفية. ومن عربات طائفة الأميش التي تجرها الدواب في العصر الحديث والمزودة بأضواء LED إلى الرياضة المثيرة لسباقات عربات اللجام، لا تزال المركبات التي تجرها الخيول تتمتع بمكانة مهمة في عالم اليوم.