إذا سافرت إلى حافة المجموعة الشمسية، فقد تتفاجأ قليلا. فخلال الطريق ستجد ما يسمى “العملاقين الثلجيين”، وهما عالمان لهما حجم متوسط بين الكواكب الصخرية والعمالقة الغازية. ومع ذلك، فإن اسميهما الشديدي التبسيط يعطيان فكرة خاطئة عن بيئاتهما الشديدة التعقيد، والتي بدأنا مؤخرا فقط بفهمها. مرحبا بكم في كوكبي أورانوس ونبتون. لم تزر هذين العالمين سوى مركبة فضاء واحدة: مسبار فوياجر2 في عامي 1986 و1989، على الترتيب. ومن خلال الاستفادة من المحاذاة الكوكبية النادرة التي تحدث مرة واحدة فقط كل 176 عاما، طار المسبار فوياجر 2 مقابل الكوكبين الغازيين العملاقين، المشتري وزحل، قبل زيارة قصيرة لكوكبي أورانوس ونبتون.
وعلى الرغم من مكانتهما كاثنين من الكواكب الرئيسية الثمانية ضمن مجموعتنا الشمسية، فإن معرفتنا بهما محدودة؛ وتأتي أساسا من هذه الزيارة الموجزة، إضافة إلى المشاهدات الأرضية والفضائية. إن المسافة بين أورانوس ونبتون وبين الأرض- 2.7 بليون و4.3 بليون كلم في المتوسط- هي ما جعل استكشاف هذين العالمين مهمة بالغة الصعوبة. وفي الوقت الراهن، يخطّط العلماء في وكالة “ناسا” للعودة إلى أحد هذين العالمين أو كليهما. كلاهما مثير للاهتمام في حد ذاته، ولكن يرجّح أن يُختار أحدهما فقط لدراسته، إذ سيحل موعد الإطلاق المستهدف في عام 2030 أو 2031 تقريبا. هناك أهمية خاصة لإرسال مسبار إلى الغلاف الجوي إلى أحد الكوكبين، وهو ما فعلناه مع المسبار غاليليو الذي زار كوكب المشتري في عام 1995.
هناك سبب وجيه للعودة، لأن كلاً من أورانوس ونبتون- ولهما كتلة تبلغ 14.5 و 17 أضعاف كتلة الأرض، على الترتيب- لا يزال يخفي كثيرا من الأسرار. فأورانوس، مثلا، يبث القدر نفسه تقريبا من الحرارة التي يمتصها من الشمس؛ مما يعني أنه يفتقر إلى مصدر حراري داخلي قوي، على عكس الكواكب الخارجية الأخرى، لكننا لا نعرف حقا لماذا يفعل ذلك. أما بالنسبة إلى نبتون، فقمرُهُ التابع تريتون مثير للاهتمام بشكل مذهل؛ وربما كان كوكبا قزما استولى عليه من منطقة أبعد في حزام كويبر. ويمكن لرصد هذا القمر عن قُرب أن يكشف أصوله؛ مما يتيح الفرصة لاستكشاف أحد أجرام حزام كويبر KBO.
يمثل وصف “العملاقين الثلجيين” تسمية خاطئة قليلا – فلا يوجد فيهما اليوم سوى قليل من الجليد الصلب. ويحتوي هذان العملاقان الثلجيان على مستويات عالية من العناصر الأثقل، بما في ذلك الأكسجين والكربون والنيتروجين، وهي على الأرجح ثاني أكثر العناصر وفرة في الشمس. فعندما تشكّلت الكواكب، تجمّعت العناصر على الأرجح في شكلها المتجمد أو المتضمّن في جليد الماء. أما العملاقان الغازيان، المشتري وزحل، واللذان سميا كذلك بسبب الكميات الهائلة من الهيدروجين والهليوم الغاز في طبقاتهما، والتي يرجّح أنها تجمّعت من قرص الغبار والغازات الذي كان محيطا بشمسنا الفتية. داخل كلا من العملاقين الثلجيين، نعتقد بوجود لبّ صخري من الحديد والنيكل، والذي تتراوح كتلته بين نصف كتلة الأرض إلى عدة أضعافها. ويُعتقد أن لبّهما من المحيطات الجليدية مؤلّف من الميثان والماء والأمونيا. ومع ذلك، فقد بدأنا لتونا فقط بفهم ما يحدث في هذه المناطق. ونتعرض اليوم لضغوط شديدة للقول إنّ أورانوس ونبتون كوكبان ثلجيان بالمعنى التقليدي. وقد تصل درجات الحرارة بداخل هذين الكوكبين إلى آلاف الدرجات، لكن الضغط يصل إلى نحو 100,000 ضعف الضغط على الأرض أو نحو ذلك. ونتيجة ذلك أن تنسحق المياه وغيرها من المركبات إلى مرحلة “سوبيريونيك” Superionic’، حيث لا تكون صلبة ولا سائلة.
وتكون بعض الذرات، مثل الأكسجين، متجمدة أساسا، في حين أن بعضها الآخر، مثل الهيدروجين، يتحرك بسرعات عالية. ونتيجة ذلك هي ظهور بعض المناطق الغريبة، حيث تتلاطم أمواج محيط هائل من المياه والأمونيا والميثان. فقد أشار العلماء إلى أن الضغط ودرجات الحرارة هناك من الارتفاع لدرجة أنها قد تُمطر ألماسا بداخل هذين الكوكبين.
وقد تمكّن الباحثون من محاكاة هذه العملية على الأرض، ومن ثم إنتاج ألماس بقطر بضعة نانومترات. ولكن بداخل أورانوس ونبتون، فقد تستمر هذه العملية لملايين السنين؛ مما يصنع ألماسا أكبر حجماً. وتتكون معظم كتلتيهما من السائل الساخن الكثيف “للجليد”، في حين يتألف كوكبا المشتري وزحل، بالمقارنة، من كرتين عملاقتين من الهيدروجين وغاز الهليوم.
يبدو أن العملاقين الثلجيين قد تشكلا في الظروف نفسها تماما، بعد أن اجتاحت العمالقة الغازية المواد الأخرى، وحتى عندئذ فلابد أنهما تضخما إلى حجم كبير بما يكفي لأن يُحاط لبّهما الصخري بالغازات. ومع ذلك، فمن الغريب أن العمالقة الثلجية هي أحد الأنواع الأكثر شيوعا من الكواكب الخارجية. ومن ثمَّ، فإن إجراء مزيد من الدراسات على كوكبي أورانوس ونبتون ليس مُهما فقط لمجموعتنا الشمسية وحدها. ولئن كنا مهتمين بمعرفة ما يجعل هذه العوالم بمثل هذا الاختلاف، فنحن نود أيضا أن نعرف لماذا يضم الكثير من النظم الكوكبية الأخرى عمالقة ثلجية، أو حتى كواكب أصغر قليلا من نبتون (نحو عشرة أضعاف كتلة الأرض).
و إرسال بعثة إلى واحد من هذه العملاقين الثلجيين سيقدم سلسلة من الاكتشافات العلمية. ويأمل كثير من الناس بإرسال هذه البعثة قريبا.