الحياة على جزيرة بركانية
يخبرنا مونتي هولز عن الفترة التي قضاها في أرخبيل غالاباغوس البري
التقينا بالمذيع وعالم البيولوجيا البحرية والجندي السابق في قوات المارينز الملكية، مونتي هولز Monty Halls، ليحدثنا عن تجاربه مع أسرته في جزر غالاباغوس Galápagos Islands، خلال الإعداد لسلسلته الوثائقية الجديدة التي ستُعرض على القناة الرابعة وكتابه المزمع نشره. وتتبع سلسلة “أسرتي والغالاباغوس” مونتي وزوجته تام Tam وطفلتيهما إيسلا Isla ومولي Molly أثناء استكشافهم للجزر واكتشاف الحياة البرية عليها وكشف الآثار السلبية للمجموعات السكانية البشرية- سواء على الجزر أم على مستوى العالم- على النظام الإيكولوجي.
كيف تغيرت جزر غالاباغوس منذ السلسلة الأولى من سلسلة أسرتي والغالاباغوس؟
كان التغيير سريعاً جدا خلال السنوات القليلة الماضية؛ كان حجم الأشخاص وحده ملحوظاً خلال فترة السنتين تلك. عندما زرت المنطقة مرة كان عدد السكان يتراوح بين 220 إلى 230 ألف شخص. أما آخر مرة فكان هناك 275,000 شخص يزورون الجزر. ومع هؤلاء يأتي الكثير من المال والكثير من البنية التحتية، وهناك قدر من الاستقرار في الجزيرة. وبالتأكيد، فيما يتعلق بالمدينة الرئيسية، يمكنك القول إن هناك بعض المال، وبعض الثراء، وهو ما لم يكن موجوداً قبل سنتين. وهذا هو الجانب الإيجابي بالنسبة إلى السكان المحليين، والذي يخلق دخلاً ملموساً لدعم السكان. ومع ذلك، فالجانب السلبي هو تأثير هذا الكم من الناس. فقد علّقت أنا وتام على ذلك. يمكنك أن تراه في طوابير الانتظار أمام أجهزة الصراف الآلي، كما كانت معظم المطاعم ممتلئة. فالجزيرة، بالتأكيد، مفتوحة أمام الأعمال التجارية.
ما تأثير هذا النمو السكاني في النظام الإيكولوجي للجزر؟
لا شك في أن التأثير سلبي، والتحدي المستمر الذي تواجهه الجزر هو كيفية التعامل مع هذا التدفق وما إن كان ينبغي الحد من التدفق. إنهم يضعون حدوداً كل عام للجزر وفي كل عام تتجاوز هذه الحدود مرة تلو الأخرى، لذلك فالوضع صعب. أيضاً، من نحن لنقول، في العالم الغربي، “كلا، عليكم التوقف الآن”، لأن السياح يريدون القدوم وإلقاء نظرة على سحالي الإغوانة Iguanas وموقع للتراث العالمي. بينما يقول السكان المحليون، “هذا هو دخلنا، هذا هو مصدر رزقنا. فمن أنت لتخبرنا بأننا لا نستطيع فعل ذلك”. ولكن الحقيقة الصارخة التي لا يمكن إنكارها هي أن عدداً كبيراً جداً من الأشخاص يزورون جزر غالاباغوس في الوقت الحالي، وسيكون لذلك تأثير ضار في النظام الإيكولوجي هناك. إنها بالتأكيد مشكلة يجب معالجتها.
ما التحديات الأوسع التي تواجهها الجزر؟
الجزر هي نموذج للعالم الأوسع. فمثلاً، للتغير المناخي تأثير لا يمكن إنكاره. فيزداد تواتر عواصف إلنينيو وشدتها، وهناك ارتفاع هائل في درجة حرارة الماء، وهذا يعني أن الطعام الذي تتغذى به حيوانات مثل البطريق والإغوانة، مثل الأسماك الصغيرة، يُدفع بعيداً عن الشاطئ، مما يؤدي إلى نفوق طيور البطريق بأعداد كبيرة، أو عدم نمو الطحالب لأن الفرق في درجات الحرارة كبير جداً، لذلك تموت سحالي الإغوانة. فلا يمكن إنكار تأثير تحمّض المحيطات، وعوامل أخرى مثل الأنواع الغازية. كلما سافرنا حول العالم ونشأت بنية تحتية أكثر حول العالم، ينتهي الأمر بانتقال الأنواع من مكان إلى آخر. وقد يكون لذلك تأثير سلبي جدا. فمثلاً، هناك نبات يسمى توت التلال Hill raspberry، والذي له تأثير مدمر في الحيوانات والنباتات هناك.
في الحلقة الأولى، تناولت مشكلة البلاستيك في الجزر. ما مدى كِبَر هذه المشكلة؟
لا شك في أن البلاستيك موجود في كل مكان في العالم، مما يُثبت أنه لا يوجد مكان غير متأثر. فجزر غالاباغوس هي جزء من منطقة التيارات الدائرية للمحيط الهادي Pacific gyre، ومن ثمَّ هناك حركة كتلية للمياه والتيارات التي تجلب الحطام البلاستيكي من المحيط الهادي من آسيا. ويمكنك أن تلاحظ ذلك حقاً على الجزر الواقعة ضمن مناطق القرم (المنغروف). وتلتقط جذورها كميات كبيرة وهي تغربل المياه ولذلك ستجدها مليئة بالبلاستيك. لكن مرة أخرى، تُتخذ تدابير مثل حظر استخدام المصاصات البلاستيكية في الجزر، إلى جانب الأكياس البلاستيكية.
هل كانت هناك لحظات حبستَ فيها أنفاسك أو فاجأتك؟
لقد كنتُ محظوظاً جداً لأنني عملتُ في جزر الغالاباغوس وكانت لي بعض اللقاءات الرائعة حول العالم. ولكنني لم أفعل ذلك مع طفلتَّي قط؛ لذا فإن الجزء الذي أذهلني حقاً كان اصطحاب إيسلا ومولي إلى الماء لتجربتهما الأولى مع الغطس Snorkelling. وجاءت سلحفاة خضراء لتلقي التحية ورأتا أسماك اللخمة (شيطان البحر) Stingrays وأسماك القرش. وتلك اللحظات لا تقدر بثمن. أتيحت لي الفرصة لأخذ طفلتيَّ إلى الماء وتعريفهما بعالم جديد بالكامل. أعتقد أن أهم اللحظات بالنسبة إلي هي تلك التي يمكنك أن ترى فيها التحول تقريباً. عندما خرجتا من الماء، حسناً، كنت أعرف بالضبط ما سأفعله بقية حياتي.
تتمتع الغالاباغوس بنظام إيكولوجي حساس لكنه مزدهر. كيف حافظت تلك الجزر على تنوعها؟
هذه نقطة مثيرة جدا للاهتمام. فـ %95 من تنوع الأنواع في الجزر مع الوضع عندما وطأت قدم البشر الجزر في عام 1535. فلا توجد مجموعة جزر أخرى على وجه الأرض لديها تلك النسبة الإحصائية. إنه مكان صعب جدا لعيش البشر. توجد الجزر على بعد 600 ميل من الشاطئ، فوق خط الاستواء، وبسبب طبيعة التضاريس من الصعب جداً زراعة أي شيء. ومن الصعب إيصال الأشياء إلى هناك ومن ثمَّ لم يستوطنها البشر استيطاناً كثيفاً. فهناك الكثير من الأماكن حول الجزر التي لم يتمكن البشر من الوصول إليها. وتلك هي الأماكن التي تراجعت إليها الحيوانات. فإذا أخذت جزيرة إيزابيلا Isabela Island، مثلاً، ستجد أن البشر يعيشون على جزء صغير منها، فيما تهيمن الحيوانات على بقية الجزيرة؛ لأنها غير صالحة لسكنى البشر. وكذلك يتكون %98 من مساحة الجزيرة بكاملها من متنزه وطني، ولذلك اعتُني بها جيداً حتى هذه اللحظة.
دُرست الجزر لعدة قرون. فهل هناك الكثير لتكتشفه هناك، في البحر أم على اليابسة؟
نعم- سترى ذلك عند نهاية السلسلة الوثائقية. أجرينا عمليات غوص مذهلة مع مجموعة من قبل العالمات الشابات، فوق الجبل البحري الذي تنمو عليه غابة لعشب البحر Kelp bed. لم يُسمع بوجود غابات عشب البحر على خط الاستواء وفي المناطق المدارية. جزر غالاباغوس بها مياه باردة صاعدة، وهو ما مكّن نمو غابة عشب البحر هذه. يُشبه ذلك العثور على غابة مطيرة في القطب الشمالي؛ إنه شيء مذهل. وتوجد في المحيط أنواع من أسماك الشمس Sunfish التي نعتقد أنها خاصة بجزر غالاباغوس وأسماك اللخمة (شيطان البحر) Manta rays العملاقة التي نعتقد أنها قد تكون نوعاً فرعياً. وعلى اليابسة نتعلم فقط أشياء مثل إبادة الجرذان، وإعادة الطبيعة البرية Rewilding، والتي يمكن أن تكون نموذجاً لمعظم أنواع الأماكن حول العالم. وتظل جزر غالاباغوس تمثل هذا المختبر وعدسة يمكننا من خلالها رؤية سائر العالم. إن ما نعرفه لا يعدو أن يكون قمة جبل جليدي طافٍ في الماء، فهناك الكثير مما يمكن أن نتعلمه من الجزر.