الحياة المريخ كيف نبحث عن الحياة على سطح الكوكب الأحمر
كيف استكشفنا الكوكب الأحمر وماذا سيأتي بعد
في سبتمبر 2016، أعلن إيلون ماسك – مؤسس شركة سبيس إكس SpaceX عن خطة جريئة لتوطين البشر في المريخ. فقد احتل الخبر عناوين الأخبار في جميع أنحاء العالم، وعلى الرغم من وجود بعض المنتقدين لأسباب مفهومة ، فقد أثار ذلك مرة أخرى إمكانية استكشاف المريخ.
يمثل المريخ اليوم عالَما قاحلا شديد الوعورة. وفي ظل غلافه الجوي المحتوي على نسبة 95 ٪ من ثاني أكسيد الكربون، ودرجات الحرارة المنخفضة التي تصل إلى – 153 درجة مئوية وغياب المجال المغناطيسي، فليس هذا بالضبط مكانا صالحا للسكنى. ولكن قبل عدة بلايين السنين، نحن واثقون تماما من أن المريخ كان يحتوي على كميات هائلة من المياه. فيمكننا أن نجد دليلا على ذلك في ما يبدو كوديان نحتتها الأنهار، وأحواض البحيرات الخالية وحتى الخطوط الساحلية.
أما السؤال الكبير المتبقي حول المريخ، فهو ما إذا كانت هناك حياة على سطحه في الماضي، أو أنها لاتزال موجودة. ومن غير الواضح طول المدة التي احتوى فيها هذا الكوكب على مياه سطحية، والتي ربما لم تكن طويلة بما فيه الكفاية لكي تزدهر الحياة. لكنه من المحتمل نشوء حياة ميكروبية بدائية هناك.
البعثتان قادمتان: البعثة الأوروبية روفر إكسو مارس 2020 ExoMars 2020 rover، والبعثة الأمريكية مارس2020 روفر Mars 2020 rover، ستبحثان عن إجابة عن هذا السؤال. وتمثل هاتان المركبتان المريخيتان بشيرا مثيرا للشكل الذي يرجح أن يبدو عليه عصر استكشاف المريخ.
وفي الوقت الحالي، تعمل وكالة الفضاء “ناسا” بكل جهد على صنع مركبة فضائية وصواريخ جديدة لنقل البشر إلى المريخ في ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين. ويتمثل هدفها بتعزيز استكشافات الجنس البشري، وربما إنشاء قاعدة دائمة على سطح المريخ.
لقد ظهر ماسك على الساحة في سبتمبر 2016 وتسبب في توقّف هذا العمل تماما. فقد ذكر أنه يعمل على صنع صاروخ عملاق، سيبدأ في عشرينات القرن الحادي والعشرين بإرسال 100 شخص إلى المريخ في كل رحلة، من أجل الوصول إلى هدف توطين مليون شخص على الكوكب الأحمر قبل مطلع القرن الثاني والعشرين.
لقد عاد المريخ مرة أخرى إلى جدول الأعمال، وحتى لو لم تكن الحياة قد وجدت هناك مطلقا من قبل، فسنقرأ قريبا في الأخبار: هبوط البشر على سطح الكوكب الأحمر.
روبوتات على سطح المريخ
كيف نستخدم أجهزة الاستكشاف الروبوتية لسبر أغوار الكوكب الأحمر
في يوليو 1965، حلّقت مركبة “ناسا” الفضائية مارينر 4 (Mariner 4) فوق سطح الكوكب الأحمر، فالتقطت الصور الأولى على الإطلاق لسطح المريخ. ومنذ ذلك الحين، تعلمنا الكثير من بعثاتنا الروبوتية- وقد لا يمر وقت طويل حتى وصول البشر على هناك أيضا. عندما بدأنا بإرسال البعثات إلى المريخ، لم يكن العلماء متأكدين مما وجدوه. لكن بمرور الوقت، تمكّنا من رسم صورة لما بدا عليه هذا العالم في الماضي. ومنذ تلك الاكتشاف الأولية، فقد تغيرت أهداف مهامنا أيضا إلى عمليات بحث أكثر دقة عن الحياة وعن المياه.
لقد وصلت مركبتا “ناسا” فايكنغ إلى المريخ في عام 1976، وكانتا أول مسبارين مخصصين للبحث عن الحياة. لم تكن النتائج حاسمة، لكنها أشعلت سباق استكشاف المريخ عن طريق إرجاع الصور الأولى لسطح المريخ نفسه. ولكن، بعد عدة محاولات فاشلة، سينقضي عقدان آخران من الزمن حتى البعثة المريخية الناجحة التالية. وقد أطلقت ناسا المسبار مارس غلوبال سورفايور Mars Global Surveyor في عام 1996، وما بين عامي 1998 و2006، قامت بمسح تفصيلي للسطح ووفرت الكثير من البيانات اللازمة للبعثات المريخية اللاحقة. ومن المثير للاهتمام أيضا أنه قدّم الدليلَ على وجود جليد الماء على سطح المريخ.
وقد وصلت أول مركبة مريخية أرسلناها في عام 1997. وقامت المركبة سوجورنر Sojourner بتحليل الصخور الموجودة على سطح المريخ، ووجدت تضاريس مشابهة لكوكب الأرض. وفي عام 2004، وصلت أيضا مركبتان حققتا نجاحا كبيرا – هما: سبيريت Spirit وأوبرتونيتي Opportunity، حيث لا تزال هذه الأخيرة نشطة على السطح حتى اليوم.
وفي عام 2012 ، أطلقنا المركبة المريخية كيوريوسيتي Curiosity ، التي هبطت في فوهة غيل البركانية، واكتشفت منذ ذلك الحين أن هذا الموقع يرجّح أنه كان يحتوي على بحيرة قديمة. وفي الوقت نفسه، ساعدتنا البعثة مافن MAVEN، التي انطلقت في عام 2014، على اكتشاف كيف دمرت الرياح الشمسية الغلاف الجوي للمريخ. ولكنه ما زال هناك الكثير لكي نتعلمه – وهنا يأتي دور الجيل المذهل القادم من مستكشفات المريخ التي ستطلقها وكالة الفضاء الأوروبية ESA و ناسا.
الوصول إلى المريخ
استعداداتنا لإرسال بعثات مأهولة إلى الكوكب الاحمر
الصواريخ
منتظمة أجل تجاوز مدار الأرض، سنحتاج إلى صاروخ بالغ الضخامة. وفي بعثات أبولو إلى القمر، استخدمنا ساتورن فايف Saturn V، الذي لا يزال الصاروخ الأقوى على الإطلاق. ولكن لإرسال بعثات إلى المريخ، فسنحتاج إلى معدات أكبر وأفضل، وأولها نظام الإطلاق الفضائي Space Launch System )اختصارا: النظام SLS) التابع لوكالة “ ناسا”. وبطوله الذي يصل إلى 117 مترا، سيقوم صاروخ النقل الثقيل هذا بنقل رواد الفضاء والبضائع إلى المريخ. ومع ذلك، فليس من المقرر إرسال أول رحلاته التجريبية قبل عام 2018، كما لا تزال هناك تساؤلات حول الكيفية التي سيتم استخدامه بها.
وفي الآونة الأخيرة، كشف مؤسس شركة سبيس إكس SpaceX، إيلون ماسك، عن خطته الجريئة للوصول إلى المريخ باستخدام نظامه الذي اختار له اسم “نظام النقل بين الكواكب” (ITS). وبارتفاعه الذي يبلغ 122 مترا، يريد ماسك استخدامه لاستعمار المريخ بنحو مليون شخص بحلول نهاية القرن.
ومن المرجح أن تكشف روسيا والصين بدورهما عن صواريخ متجهة إلى المريخ خلال العقود القادمة.
محاكاة رحلة إلى المريخ
في 28 أغسطس 2016 خرج ستة أشخاص من قبة مؤلفة من طابقين في هاواي، بعد أن قضوا سنة كاملة في عزلة. لماذا؟ كانوا يقومون بمحاكاة ما يمثله العيش على سطح المريخ في ظل ظروف مماثلة في المستقبل.
كانت المهمة، التي أطلق عليها اسم “هاي سيز” HI-SEAS (نظير ومحاكاة هاواي لاستكشاف الفضاء)، مدارة جزئيا من قبل وكالة “ناسا” بغرض التحضير للبعثات المأهولة المخطط لها في ثلاثينات القرن الحادي والعشرين. وخلال هذه التجربة، أمضى أعضاء الفريق كامل وقتهم بداخل القبة، فكانوا بحاجة إلى ارتداء ‘بذلات الفضاء’ عند الخروج منها، تماما كما سيفعل المستكشفون في البعثات المريخية في المستقبل. وكذلك كانت اتصالاتهم بالأرض تتأخر بمقدار 20 دقيقة- وهو التأخير نفسه الذي سيتعرض له مستكشفو المريخ.
وعلى الرغم من أنه لا يوجد بديل للوجود فعليا على المريخ، فقد كان الهدف من هذا البرنامج هو التعرف على كيفية تكيّف البشر مع العزلة. وقد تستمر بعثات “ناسا” إلى المريخ ثلاث سنوات إجمالا، بما في ذلك 500 يوما على السطح – وهو ما يبعد بزمن طويل عن الأرض وعن غيرها من سبل الاتصال البشري.
البشر على كوكب المريخ
ماذا سنفعل في الواقع عندما نصل إلى الكوكب الأحمر؟
من بين جميع جوانب إرسال البشر إلى المريخ، فإن ما ستبدو عليه الحياة في الواقع هو أكثرها عرضة للتخمينات. ولا يعني هذا أن البشر لم يفكروا في ذلك، لكن أحدا لا يعرف بعد على وجه اليقين كيف سيظل البشر على قيد الحياة هناك.
ومع ذلك، فما يبدو قريب الاحتمال هو أن البعثات الأولى إلى المريخ ستضم روبوتات يُتحكم فيها عن بُعد Telerobotics. وسيؤدي هذا إلى تمكين البشر من الدوران في مدار حول المريخ، وربما العيش على سطح القمر المريخي فوبوس، وتشغيل مركبات مريخية على السطح. فمن دون تأخير الاتصالات الذي تعانيه المركبات المريخية التي يُتحكم فيها من الأرض، فقد يسمح هذا باستكشاف أسرع لكثير لسطح الكوكب.
ولكن، سيتمكن البشر في نهاية المطاف من وضع أقدامهم هناك. وإذا صدّقنا إيلون ماسك، فسيتمتع هؤلاء البشر بالاكتفاء الذاتي، إذ سيعيشون بعيدا عن اليابسة ويستخدمون معدات ذكية لتخليق الأكسجين والماء، وحتى جعل الكوكب شبيها بالأرض. ولكن، لا يزال علينا الانتظار لكي نعلم ما إذا كانت خطته لجعل مليون شخص يعيشون هناك قبل مطلع القرن ستنجح.
وبالنسبة إلى الوكالة “ناسا”، فمن المرجح أن تكون الخطط أكثر بساطة وأكثر واقعية. إذا فكرنا على غرار بعثات أبوللو، ومن ثم إرسال فرق صغيرة إلى السطح، والبقاء على سطح المريخ لبضعة أسابيع أو بضع سنوات، قبل أن تعود إلى الأرض.
ولإنشاء موئل على سطح المريخ، فقد يكون من الضروري غمر مبنى بصورة جزئية في تربة المريخ. سيوفر هذا حاجزا ضد الإشعاع الكوني والشمسي، مما يحافظ على صحة الأفراد.
نحن نعلم بوجود الكثير من الجليد المائي المحتجز في قطبي المريخ وتحت سطحهما، ومن ثم فإن الاستفادة منه سيكون أمرا مهما. واعتمادا على مدى نجاح العربتين المريخيتين مارس 2020، وإكسو مارس، قد يكون هناك ما يكفي من المياه الجوفية لدعم إنشاء مستعمرة مريخية صغيرة. يمكن تنقية هذه المياه وتحويلها إلى مياه صالحة للشرب، أو تحليلها إلى العناصر المكوّنة من أجل إنتاج الوقود.
وفي ظل وجود البشر على كوكب المريخ، سنتمكن من استكشاف سطح الكوكب بصورة لم يسبق لها مثيل. وستولي أيام الخُطى الروبوتية المترددة؛ فسنتمكن من دراسة وتحليل مساحات شاسعة من الكوكب الأحمر، وربما الإجابة نهائيا عما إذا كانت هناك حياة على كوكب المريخ.
هل يمكننا جعل المريخ صالحا للسكنى؟
منذ فترة طويلة يحلم البشر بتحويل المريخ إلى عالم يشبه الأرض. وقد يكون ذلك أمرا ممكنا، على الرغم من أنه لم يتحقق حتى الآن. ومن بين طرق القيام بذلك أن نقوم بتسخين كمية هائلة من الجليد عند قطبي المريخ، ربما باستخدام مرايا كبيرة تدور في مدار حول الكوكب. وسيطلق ذلك ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي، مما يزيد من سماكته، ومما يحتمل أن يؤدي إلى تسخين الكوكب ككل.
وهناك طريقة أخرى تتمثل باستخدام مصانع على السطح لتصنيع مركبات الكربون الكلوروفلورية (اختصارا: المُركَّبات CFCs) من الهواء والتربة. فالمُركَّبات CFCs هي المسؤولة عن الأوزون على الأرض، والذي يحبس الحرارة الواردة من الشمس، وربما كان بوسعنا خلق تأثير مماثل في سطح المريخ.
وسنحتاج أيضا إلى إيجاد وسيلة لتحويل بنية الغلاف الجوي من هيمنة ثاني أكسيد الكربون إلى الأكسجين والنيتروجين، مثلما يوجد على الأرض. ولكن، فمن بين التعقيدات التي ينطوي عليها ذلك أنه من دون وجود مجال مغناطيسي، يتعرض الغلاف الجوي للمريخ باستمرار للعواصف الآتية من الشمس. ومع ذلك، فمن يدري- فقد نجد حلاًّ لذلك في المستقبل.