الجنة القاتلة
ما الذي يجعل متنزه ماديدي الوطني واحداً من أكثر الأماكن تنوعاً وخطورة في العالم؟
بقلم: فيكتوريا وليامز
في عام 1981، بدأ الرحالة الشاب يوسي غينسبرغ رحلته إلى منطقة مجهولة في الأمازون البوليفية مع اثنين من معارفه وشخص غريب تماماً. ادّعى العضو الجديد في المجموعة، وهو رجل غامض يدعى كارل روبريشتر Karl Ruprechter، أنه جيولوجي وخبير بمناجم الذهب، وسحرهم بقصص عن قبيلة من السكان الأصليين والذهب غير المكتشف. ولم يتمكنوا من مقاومة إغراء المغامرة والثروات، فتجاهلوا تحذيرات السكان المحليين وتبعوه بالطائرة والقارب إلى الغابة.
وبعد أسبوعين من السير، لم تحقق المجموعة شيئاً. وقد ضلوا طريقهم، واستنفدوا جميع إمداداتهم الغذائية وتشاجروا. لذلك قرروا الانفصال، فحاول غينسبرغ والمصور الأمريكي كيفين غيل Kevin Gale بناء طوف ومواصلة رحلتهما، في حين حاول المعلم السويسري ماركوس ستام Marcus Stamm- الذي أصيب بمرض قدم الخنادق Trench Foot وأصاب الوهنُ جسدَه بعد رفضه أكل النسانيس التي اصطادها الرجال الآخرون- أن يعود إلى الحضارة مع روبريشتر. وعندما حطمت التيارات القوية طوفهما عند اصطدامه بصخرة، انفصل غينسبرغ عن غيل وأمضى الأسابيع الثلاثة التالية وحده يصارع من أجل البقاء.
لم يكن هناك مكان أسوأ من هذا لكي يضل غينسبرغ فيه طريقه. وكان يتحرك عبر منطقة الأمازون التي تنتمي الآن إلى متنزه ماديدي الوطني. أنشئ المتنزه في عام 1995، ويغطي مساحة 18,958 كم2، ويُعتقد أنه أكثر الأماكن تنوعاً بيولوجيّاً في العالم. ومع المحميات والمتنزهات المجاورة له، فهو جزء من إحدى أكبر المناطق المحمية في العالم. ومع ذلك، فمع التنوع يأتي الخطر. وخلال محنته التي استمرت ثلاثة أسابيع، واجه غينسبرغ تهديدات لا تُعد ولا تحصى، من نمل النار إلى نمور الجاغوار المتجولة.
ويعج متنزه ماديدي الوطني بالكائنات الحية، من تلك اللطيفة إلى الفتاكة. وهو موطن نحو 270 نوعاً من الثدييات، ونحو 500 نوع من الأسماك، وأكثر من 200 نوع من البرمائيات والعدد نفسه تقريباً من الزواحف. من الصعب حصر أنواع الحشرات، لكن يقدر حالياً أن نحو 120,000 نوع منها تطير وتزحف عبر الغابة. والأمر الأكثر غرابة أنه يوجد نحو 1,200 نوع من الطيور- أكثر من عُشر جميع أنواع الطيور في جميع أنحاء العالم- في متنزه ماديدي.
لا تُغطى مساحة ماديدي كلها بظلة من الأشجار؛ تمتد المنطقة الضخمة المخصصة كمتنزه وطني من منحدرات جبال الإنديز الجليدية إلى الغابات المطيرة المورقة، مع مناخات تتراوح بين الباردة والمعتدلة إلى المدارية. وتشبه زيارة ماديدي الرجوع في الزمن خطوة إلى الوراء وفرصة للمغامرة الحقيقية- لا يوجد اتصال بالإنترنت أو إشارة هاتفية، ويوجد المأوى في قلب الغابة على بعد كيلومترات عديدة من أقرب مدينة. حتى الوصول إلى المتنزه يمثل تحديّاً، فهو يستلزم الطيران لمدة 40 دقيقة أو ركوب حافلة لمدة 20 ساعة من لاباز إلى روريناباكي، وهي بلدة صغيرة تقع على حافة الأمازون وتعرف بأنها بوابة ماديدي. وقد تزداد صعوبة هذه الرحلات في موسم الأمطار، عندما يتسبب هطول الأمطار الغزيرة في توقف الرحلات الجوية وطمس الطرق الجبلية. إذا تمكن الزوار من الوصول إلى روريناباكي، فبوسعهم استكشاف ماديدي سيراً على الأقدام أو بالقوارب، يقودهم مرشدون يمكنهم اكتشاف علامات المتاعب التي قد تمر دون أن يلاحظها الغرباء.
لكن متنزه ماديدي، المشهور بكونه خطيراً بقدر ما هو مذهل، يتعرض الآن للتهديد بدوره. اقتُرح إنشاء «السد العملاق» عبر مضيق بالا لأول مرة في عام 1998. تقع الحافة الغربية من المضيق داخل حدود ماديدي، وسيغرق السد نحو 2,000 كم2 من المتنزه؛ مما سيؤدي إلى تشريد الحياة البرية والسكان المحليين. تم التخلي عن الخطط الأولية، لكن أُعيد إحياء المشروع في عام 2007.
يأمل الرئيس إيفو موراليس ببناء السد العملاق خلال السنوات العشر إلى الـ15 المقبلة لتحويل بوليفيا إلى أكبر منتج للطاقة الكهرومائية في أمريكا الجنوبية، لكن الفكرة قوبلت بمقاومة شديدة من الشعوب الأصلية والجماعات البيئية. وتحمل الغابة أهمية كبيرة لكثير من الناس- سواء من يسكنونها أم من غمروا أنفسهم في براريها لبضعة أسابيع.
كان يوسي غينسبرغ محظوظاً، فعلى الرغم من سقوطه في المستنقعات؛ وفقدانه لجميع الجلد المغطي لقدميه، كما تضوّر جوعاً وأوشك على الإصابة بالهلوسة، فقد أنقذ من غابة الأمازون بعد أن جرف النهر كيفين غيل إلى قرية فطلب إلى السكان المحليين مساعدته على تشكيل فريق للبحث عن يوسي. ويبقى مصير الآخرين لغزاً، إذ لم يُشاهدا بعد ذلك مطلقاً.
روى غينسبرغ قصته مراراً وتكراراً، ولا يزال الناس ينجذبون إلى الغابة. ويُعد متنزه ماديدي الوطني مكاناً ذا جمال يخلب الألباب، لكن الخطر يكمن في كل زاوية من زواياه للمسافر المتهور.
يتدفق علماء النبات وعلماء الحيوان على الحديقة على أمل اكتشاف عدد قليل فقط من هذه الأنواع، وقد اكتشفت البعثات أنواعاً جديدة لا توجد في أي مكان آخر، مثل نسناس تيتي الماديدي.