الثورة الجينية
من اكتشاف الحمض النووي إلى فجر تحرير الجينات خلال أقل من 200 سنة
بقلم: لورا ميرز
في القرن التاسع عشر اكتشف عالم البيولوجيا السويسري فريدريش ميشر Friedrich Miescher شيئا غريبا. عندما فتح نواة كريات الدم البيضاء، وجد مادة غنية بالفوسفور لا تُشبه أي شيء رآه من قبل. وأطلق عليها اسم النوكليين Nuclein، الذي نعرفه الآن بالدنا DNA (الحمض النووي)، بمعنى الحمض النووي الريبوزي المنقوص الأكسجين. وبفضل أبحاث العالم الأمريكي المولود في روسيا، فويبوس ليفين Levene، نحن نعلم أنه مؤلف من ثلاثة أجزاء. ويتصل الفوسفور الذي لاحظه ميشر بسكر خماسي الشكل يسمى الديوكسي ريبوز. وهذا، بدوره، يرتبط بهيكل يحتوي على النيتروجين يعرف بـ «القاعدة». هناك أربع قواعد مختلفة تشكل الحروف الكيميائية للشيفرة الوراثية، وتضمها السكريات والفوسفات معاً في سلاسل طويلة.
حروف الحمض النووي DNA الأربعة هي: الأدينين، والسيتوزين، والغوانين والثايمين، والتي تشتهر أكثر باختصارات حروفها الأولى: A، و C، و G و T . وفي قطعة من الحمض النووي، فإن مقدار A يتناسب مع مقدار T، ويتناسب مقدار C مع G، لكننا لم نكن نعرف السبب حتى اكتشفه جيمس واتسون James Watson وفرانسيس كريك Francis Crick. وكشف هذان العالمان الحائزان جائزة نوبل عن هيكل الجزيء. والتقطت روزاليند فرانكلين Rosalind Franklin وموريس ويلكنز Maurice Wilkins صورة للحمض النووي باستخدام الأشعة السينية. استخدمت صورهما، جنبا إلى جنب مع نماذج من الكرتون لكل من قواعد الحمض النووي، جرّب واتسون وكريك عددا من التركيبات المحتملة. وفي عام 1953 اكتشفا أن الحمض النووي DNA مؤلف من لولب مزدوج. ويشكّل شريطان Strands من الشيفرة زوجا يلتف كسلم ملتو. وتتعلق القواعد على أحد الفرعين بالقواعد الأخرى عبر تفاعلات تدعى الروابط الهيدروجينية، التي تشكل درجات السلم. أما السكريات والفوسفات؛ فتشكل جانبي السلّم، أو «العمود الفقري». تسمح المساحة بين الدرجات للجزيئات الأخرى بقراءة أو نسخ الشيفرة. يحتوي الحمض النووي DNA على تجعّد إلى اليمين، وتخزن الضفيرتان تتابعات مكملة تعمل في اتجاهين متعاكسين. تقترن جزيئات الأدينين A على أحد الشريطين بجزيئات الثايمين T على الشريط الآخر، في حين تقترن جزيئات السيتوزين C بالغوانين G. ويخزن أحد الشريطين الشيفرة من أعلى إلى أسفل، في حين يخزن الآخر الشيفرة المقلوبة من أسفل إلى أعلى. ولكل ضفيرة طرف علوي وآخر سفلي، يسميهما العلماء بالنهايتين 5′ (تنطق 5 برايم) و 3′ (تنطق 3 برايم). تعمل النهايتان مثل وجود حرف كبير في بداية الجملة ونقطة عند نهايتها، وذلك لإبلاغ الخلية بالاتجاه الذي يجب أن تقرأ به الشيفرة. وقد حظي هيكل الحمض النووي بشهرة واسعة، لكن التطور المميز هو خاصية كيميائية شائعة في الجزيئات البيولوجية. وتُبرم خيوط الكولاجين في جلدك مثل الحبال، وكذلك يفعل الكيراتين في الشعر. فاللبنات الأساسية للحمض النووي غير متناظرة، وهي تتعثر عند تكديسها من طرف إلى طرف. وبمجرد أن اكتشف واتسون وكريك بنيته، تمثلت الخطوة التالية بفك الشيفرة. كان خبير التشفير العلمي المسؤول عن ذلك هو مارشال نيرنبرغ Marshall Nirenberg.
تشكل البروتينات معظم الآليات الجزيئية للجسم، وتصنعها الخلايا من وحدات تسمى الأحماض الأمينية. فهناك 20 وحدة مختلفة يمكن الاختيار من بينها، لذلك وضع نيرنبرغ منها في أنبوب مختلف. لفهم ما تعنيه تتابعات الحمض النووي المختلفة، صنع سلاسل اصطناعية من الشيفرة، ثم راقبها ليرى أي الأحماض الأمينية سيعلق بتسلسلات مختلفة. وكشفت أبحاثه أن الحمض النووي يخزّن المعلومات في صورة «كلمات» مؤلفة من ثلاثة أحرف. فهناك كلمة لـ «البدء»، تشير إلى بداية الجين، وهناك ثلاث كلمات لـ «التوقف»، تشير إلى النهاية، و بينها هناك 60 «كودونا» Codons أخرى مؤلفة من ثلاثة أحرف تطابق الأحماض الأمينية.
وبعد فك الشيفرة، كانت الخطوة التالية هي فك شيفرة الجينوم. للقيام بذلك، اخترع فريدريك سانغر Frederick Sanger تقنية سَلْسَلَة الحمض النووي في عام 1977، حيث عمل أسلوبه الرائد على تكسير الشيفرة إلى كتل متراكبة. وبعد ذلك، نسخ كل كتلة في وجود النيوكليوتيدات «المُنهية للسلاسل» التي توقف عملية النسخ في وقت مبكر، فتحدد القاعدة التي دخلت لتوها عند نهاية التتابع. خطوة فخطوة، تكشف العملية كل حرف من الشيفرة. وبمجرد حصوله على تتابع كل كتلة، تمكن سانغر من إعادة تجميعها معا كلعبة الصور المقطعة Jigsaw.
متسلحاً بهذه الأداة الجديدة، قرأ العلماء أول جينوم كامل في عام 1995، وكان جينوم بكتيريا Haemophilus influenzae. ولأول مرة، امتلك العلماء دليل التعليمات الكامل لصنع كائن حي. وفي عام 2000 أكمل العلماء
شكرا جزيلا على هاته المعلومات