الثمرة المذهلة
من رائحة الدوريان إلى قدرة التوت المعجزة على تغيير نكهته، اكتشف العالم الرائع للثمار
معروفة هي الولفية Watermeal،
وهي ثمرة ذات بذرة واحدة يبلغ
حجمها 0.25 ملم فقط.
فيما يتعلق بتحديد هوية الثمار، هناك مجموعة كبيرة من الفئات الفرعية التي تندرج تحتها. لكنها غالباً تندرج ضمن واحدة من 3 فئات: بسيطة، ومجمعة ومتعددة. تشمل الثمار البسيطة غالبية الثمار، مثل الثمار ذات النواة (الحسلة) Stone fruits، والثمار التفاحية Pome، والثمار العنبية Berries. ينقسم تشريحها عادة إلى 3 أجزاء؛ قشرة الثمرة Exocarp، ولبّ الثمرة Mesocarp والغلاف الداخلي Endocarp. الجلد الخارجي هو قشرة الثمرة، ويشكل لبّ الثمرة لحمها، أما الغلاف الداخلي فيمثل الجزء العميق من الثمرة- أي البذور.
من ناحية أخرى، تدمج الثمار المجمعة من الأزهار الفردية التي تؤدي إلى مجموعة غريبة. يتكون توت العليق Raspberries من الكثير من الكرابل Carpels التي كانت منفصلة في السابق – وهي الأجزاء الغنية بالعصير والمحتوية على البذور. ثم هناك النوع الثالث من الثمار، الذي ينتمي إليه الأناناس، ويسمى الثمار المتعددة. على عكس الثمار المجمعة، تتشكل الثمار المتعددة من مجموعة من الأزهار التي تنتج كل منها ثمرة تنضج مكوّنة كتلة واحدة.
تتقن النباتات فن الإغواء. فبدلاً من اجتذاب نبات آخر للتكاثر، تثير الثمار حواس الحيوانات اللازمة للتلقيح ونثر بذورها. عادة ما تُنثر البذور عن طريق التدخل الحيواني بإحدى طريقتين. عندما يتجول حيوان مثل غزال في بستان ويمضغ التفاح المفعم بالعصير، فإنه لا يتغذى على اللب فحسب، بل على البذور بداخلها أيضاً. ومن هناك، تنتقل البذور عبر الجهاز الهضمي للحيوان وتظهر مرة أخرى بين كومة من الفضلات التي تبرزها للتو. وبعدئذ، يوفر هذا السماد الغني بالمغذيات الظروف اللازمة لإنبات البذور ونمو نبات جديد. تقوم حيوانات أخرى، مثل العديد من أنواع القوارض، بدفن الثمرة في محاولة لتخزينها لتناول وجبة لاحقة. لكنها عندما تترك الثمرة تحت التربة، تتاح للبذور الفرصة لكي تنبت وتنمو.
بالطريقة نفسها التي تجذب بها بتلات الأزهار الملقحات، تأتي الثمار بجميع ألوان قوس قزح على أمل اجتذاب الحيوانات التي قد تنثر بذورها. أظهرت الدراسات أن الثدييات مثل النسانيس والقردة تنثر عدداً أكبر من بذور الثمار الخضراء، في حين تفضل الطيور حيوية الثمار الحمراء. وبالمثل، تعمل الرائحة والطعم أيضاً كوسيلة لإغواء الحيوانات بقضم الثمرة ونثر البذور الموجودة بداخلها. في مدغشقر، هناك عدة أنواع من قردة الليمور Lemurs المصابة بعمى الألوان التي تؤدي دوراً مهماً في نثر بذور أشجار التين. نظراً لأن اللون ليس خياراً مغرياً لهذه الحيوانات، فقد طورت ثماراً تنبعث منها رائحة نفاذة عندما تنضج، وهو ما يجتذب الليمور.
في حين يمكن للعديد من الأشخاص أن يتعاطفوا مع حب الليمور للتين ذو الرائحة الحلوة، إلا أنه ليس كل الثمار تتباهى بمثل هذه الروائح الجذابة. الروائح النفاذة، بما في ذلك روائح البصل المتعفن ومياه المجارير، لها القدر نفسه من الأهمية في اجتذاب الحيوانات. فمثلاً، تنبعث من ثمرة النوني Noni التي تنمو في جزر المحيط الهادي وجنوب شرق آسيا، رائحة تشبه الجبن النتن والأسماك المتعفنة. لكن العديد من أنواع الخفافيش والطيور لا تردعها الرائحة الكريهة على الإطلاق، فتتدفق على هذه الوليمة ذات الرائحة الكريهة ثم تنثر بذورها لاحقاً.
عادة ما تصل الحيوانات إلى ثمار النبات عبر الأغصان المتأرجحة للأشجار والشجيرات، لكن بعض الثمار تنمو تحت الأرض. اكتشف الباحثون في عام 2023 أن ثمار وأزهار نوع جديد من النخيل يسمى بينانغا سبتيرانيا Pinanga subterranea تنمو تحت السطح. من المعروف أن ثمار نحو 171 نوعاً من النباتات تنمو تحت الأرض، بما في ذلك العديد من أنواع السحلبية Orchids. على عكس الثمار العلوية، فإن تلك التي تنتجها النخيل غير معرضة للنطاق الواسع من الملقحات والحيوانات المكتنفة في نثر البذور. يعتقد العلماء أن الحشرات التي تعيش تحت الأرض قد تكون مسؤولة عن تلقيح أشجار النخيل هذه، وربما كانت الخنازير البرية هي التي تشم الثمار وتستخرجها من الأرض لنثر البذور.
فضلا عن كونها وعاء لانتشار النبات، تأتي الثمار بطيف واسع من الفوائد الصحية ليستمتع بها البشر. من زيادة مستويات الفيتامينات في الجسم إلى إنتاج الألياف الحيوية اللازمة لأمعاء صحية، تعد الثمار الصالحة للأكل في العالم مصدراً رائعاً للتغذية، مع فوائد صحية كبيرة بالقدر نفسه. العديد من الثمار مثل التوت والتفاح والكرز غنية أيضاً بجزيئات تسمى مضادات الأكسدة Antioxidants. بمجرد تناولها، تبحث مضادات الأكسدة عن الجزيئات الضارة المعروفة باسم الجذور الحرة Free radicals وتدمرها. تُنتج الجذور الحرة طبيعياً في الجسم، الإضافة إلى التعرض للتلوث ودخان السجائر، لكنها قد تساهم في العديد من الحالات المرضية، مثل تراكم لويحات الكوليسترول، مما يؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب. الإضافة إلى مشكلات القلب والأوعية الدموية، ربطت الجذور الحرة بمشكلات صحية مزمنة مثل الأمراض الالتهابية وحتى السرطان. عندما تتلامس بعض مضادات الأكسدة الموجودة في الثمرة مع الجذور الحرة، فإنها تقضي على أحد إلكتروناتها فتجعلها عديمة الفائدة، مما يمنعها من التسبب في مزيد من الضرر للجسم. لجني جميع الفوائد الصحية التي توفرها الثمرة، توصي الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة البالغين بتناول 5 حصص من الثمار تزن كل منها 80 غم يومياً.
ليمون الأصابع
على عكس الليمون الذي تجده في الأسواق المركزية، فإن ليمون الأصابع الأسترالي الأصل (سيتروس أوسترالاسيكا Citrus australasica) يتفجر بكافيار ليموني عند عصره. توجد هذه الثمرة الأسطوانية معلقة من أشجار الليمون الصغيرة في نيو ساوث ويلز، ويمكن بسهولة الخلط بينها وبين ثمرة خيار صغيرة. توجد داخل الثمرة أكياس فردية من عصير الليمون تحيط بالبذور المركزية للنبات. مثل غلاف الفقاعات، تساعد أكياس العصير على حماية لب البذور عندما تسقط الثمرة من شجرتها. توفر أكياس العصير دفعة منعشة من الحموضة عند قضمها.
البطيخ المقرّن
الكيوانو Kiwano (كوكوميس ميتوليفروس Cucumis metuliferus)، المعروف أيضاً باسم الخيار الإفريقي المقرن أو البطيخ المقرن، هو ثمرة مخيفة نشأت في صحراء كالاهاري بإفريقيا، لكنها زرعت في المناطق الاستوائية في جنوب إفريقيا وأجزاء أخرى من العالم، مثل نيوزيلندا. الألوان المتباينة للقشرة البرتقالية الخارجية للثمرة ولبها الأخضر النابض بالحياة تغري عدداً لا يحصى من المخلوقات، بما فيها الطيور والرئيسات والقوارض والظباء، لتتغذى على بذورها وتنثرها. ويقال إن طعم اللب يشبه مزيجاً من الموز والبطيخ والليمون، كما يمتلئ بفيتاميني B وC.
يستوطن التوت المعجزة (سينسيبالوم دولسيفيكوم Synsepalum dulcificum) المناطق الاستوائية في غرب إفريقيا لكنه يُزرع في معظم أنحاء العالم بسبب قدراته الخارقة. على الرغم من كونه عديم الطعم، إلا أن التوت المعجزة يحوي بروتيناً يغير طعم الأطعمة الحمضية أو المرة الأخرى. بعد مضغ هذا التوت، سيجعل تناول قضمة من طعم الليمون وكأنك تشرب أحلى عصير ليمون، كما يمكنك من احتمال جرعة كبيرة من خل التفاح. تأتي القوى الغامضة للثمرة من مُحل طبيعي يسمى الميراكولين Miraculin. عند تناوله، يرتبط الميراكولين بمستقبلات الطعم الحلو على اللسان لمدة تصل إلى 60 دقيقة تقريباً. عندما يتلامس طعام مرّ مع الميراكولين، سيتغير شكله، مما يجعل مستقبلات الطعم الحلو تظن أنه يأتي عبر جزيء من مادة حلوة المذاق مثل السكرالوز أو الأسبارتام. على الرغم من أن التوت المعجزة قد يكون بديلاً رائعاً للسكر أو المُحليات الاصطناعية، إلا أن ثماره لا تُنتج إلا على نطاق صغير ولا يمكنها حالياً أن تحل محل المواد المتاحة تجارياً.
الثمار ذات الرائحة
1 الكاكايا JACKFRUIT
أرتوكاربوس هيتيروفيلوس Artocarpus heterophyllus
توجد ثمار الكاكايا Jackfruit في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية من العالم، ولها رائحة البصل الفاسد، لكن مع نكهة لطيفة من الأناناس والموز.
2 خبزية شامبيدن CEMPEDAK
أرتوكاربوس إنتيغر Artocarpus integer
كما هي الحال مع العديد من الثمار، فإن الرائحة التي تنبعث منها تشتد كلما نضجت. بالنسبة لثمار خبزية شامبيدن، تتحول الرائحة القوية بالفعل إلى رائحة الأمونيا عندما تنضج أكثر من اللازم.
3 النارانجاوات WOOD-APPLE
ليمونيا أسيديسيما Limonia acidissima
في غابات جنوب الهند، تنبعث من النارانجاوات رائحة مثيرة للاهتمام، والتي توصف بأنها مزيج من زبيب الفاكهة والجبن الأزرق.
4 المارانغ MARANG
أرتوكاربوس أودوراتيسيموس Artocarpus odoratissimus
تملأ ثمرة المارانغ الغرفة بسرعة برائحة تذكرنا بالبنزين، على الرغم من أن لها طعم فاكهي يشبه الكمثرى والأناناس.
5 البيدالاي PEDALAI
أرتوكاربوس سيريسكاربوس Artocarpus sericicarpus
توجد هذه الثمرة التي تذوب في الفم في بورنيو والفلبين، وتنمو مكونة قشرة غير عادية تشبه الشعر ولها رائحة تشبه المارانغ.
ثمرة الثعبان
كما يوحي اسمها، فإن ثمرة الثعبان (سالاكا زالاكا Salacca zalacca) لها سطح فريد من نوعه، يشبه حراشف أفعى الكوبرا الملكية. تُزرع هذه الثمرة غير العادية في جنوب شرق آسيا ويعود موطنها الأصلي إلى إندونيسيا. على عكس العديد من الثمار الوحيدة النواة Drupes الأخرى، تحتوي ثمرة الثعبان على قشر جلدي يتألف من الكثير من الحراشف الصغيرة المثلثة. عند إزالة الحراشف، يُكشف عن 3 فصوص من اللبّ الأبيض المفعم بالعصير. يشبه طعم ثمرة الثعبان مزيجاً من التفاح والأناناس، مع قوام هش يشبه التفاحة، وكثيراً ما تؤكل نيئة أو تحول إلى مربى أو شراب.
ليمون يد بوذا
ليمون يد بوذا (سيتروس ميديكا ديجيتاتا Citrus medica digitata) هو ثمرة شائعة في آسيا، وقد وصلت إلى الصين في حقائب الرهبان البوذيين المسافرين من الهند في القرن الرابع. بخلاف مظهرها الشبيه بالأصابع، فمن بين الخصائص الرائعة لهذه الثمرة نجد المستوى المرتفع من اللب. تحتوي جميع الحمضيات، مثل الليمون والليمون الحامض، على لب ليفي داخلي لدعم المراكز الحاملة للبذور. لكن معظم هذه الثمرة تتكون من لبّ، مما يقلل استخدامها. تقليدياً، يُستخدم ليمون يد بوذا لتعزيز روائح الأطعمة الأخرى، مثل السكريات والآيس كريم، وذلك بفضل رائحة اليوسفي والليمون القوية المنبعثة منها.
ملك كل الثمار
البصل المتعفن والجوارب القديمة وعصير بن ومياه المجارير الخام كلها طرق ذكرت لوصف رائحة ثمرة الدوريان Durian fruit (دوريو زيبيثينسDurio zibethinus ) رائحة الدوريان قوية جداً لدرجة أن تناول هذه الثمرة محظور في وسائل النقل العام في سنغافورة، وفي بعض الفنادق في تايلاند. تنبع رائحة الدوريان من لبها الناضج وتنتج عن إطلاق مزيج من أكثر من 50 مركباً، بما في ذلك مادة كيميائية ذات رائحة كبريتية تسمى الإيثانيثيول .Ethanethiol المركبات الفردية ليست قوية بشكل خاص في روائحها، ولا تشبه رائحة الدوريان.
لكن عندما تجتمع جميعاً معاً فهي تشكّل سيمفونية رائحة الدوريان. السبب وراء طبيعة هذه الثمرة ذات الرائحة الكريهة هو مثل أي سبب آخر: لإغواء الحيوانات التي تجد الرائحة جذابة على أمل نثر البذور الموجودة بداخلها.
على الرغم من رائحته النفاذة، إلا أن الدوريان، الملقب أيضاً باسم ”ملك الثمار“، يعد طعاماً شائعاً بشكل مذهل، خاصة في العديد من دول جنوب شرق آسيا. باعتبارها ثمرة مغذية، يمتلئ الدوريان بالفيتامينات والمعادن المفيدة التي تدعم الجهاز المناعي للجسم.
أظهرت الدراسات أيضاً أن الثمرة مليئة بالفولات Folate وحمض الفوليك Folic acid، والتي يمكن أن تساعد على مكافحة فقر الدم وتعزيز النمو المنتظم للأنسجة خلال الحمل. من القهوة إلى الحلوى، شقت رائحة ثمرة الدوريان ومذاقها المميز طريقها إلى عدد لا يحصى من الوجبات الخفيفة والحلويات في معظم أنحاء العالم.
بودنغ الشوكولاتة
يتدلى السابوت الأسود (ديوسبيروس نيغرا Diospyros nigra) من النبات الأصلي، والمعروف أيضاً باسم ثمرة بودنغ الشوكولاتة Chocolate pudding fruit، ويشبه الطماطم غير الناضجة. لكنه أذا أعطي الوقت لكي ينضج سيتحول إلى حلوى لذيذة. بعد 10 أيام من قطف ثمرة بودنغ الشوكولاتة وتخزينها في درجة حرارة الغرفة، يتحول لون اللب الموجود بداخلها إلى البني الغني ويكتسب نكهة حلوة تشبه البودنغ المضاف إليه قليل من الموز. السابوت الأسود ممتلئ بالمغذيات، بما في ذلك نحو 4 أضعاف كمية فيتامين C الموجودة في البرتقال.
بقلم: سكوت داتفيلد