استكشاف كوكب الزهرة
مرحبا بكم في كوكب الزهرة
كثيرا ما يوصف هذا العالم الجهنمي بأنه التوأم الشرير للأرض
تخيّل أنه، خلال بضع بلايين من السنين، صار الغلاف الجوي للأرض من السماكة بحيث ترتفع درجة حرارة الكوكب بشكل متزايد. وتبدأ المحيطات على كوكبنا في الغليان. وتكافح الكائنات الحية من أجل البقاء على قيد الحياة. وتتحول الأرض إلى صحراء سامة مميتة.
قد يبدو هذا مفرطا في التشاؤم، لكن هذا يشبه إلى حد كبير ما نعتقد أنه حدث في كوكب الزهرة Venus، ثاني أقرب الكواكب إلى الشمس بعد عطارد. عندما تشكّلت الكواكب قبل نحو 4.6 بليون سنة، كان كوكبا الزهرة والأرض متشابهين إلى حد ما – وظلا كذلك حتى يومنا هذا؛ فكلاهما من الكواكب الصخرية، ويتساويان تقريبا في الحجم والكتلة، كما يتشابهان في البنية الكيميائية.
وعند نقطة ما في تاريخه، نعتقد أن كوكب الزهرة كان يحتوي على محيطات مثل الأرض تماما. ولكن خلافا لكوكبنا، فلم تبق هذه المحيطات لفترة طويلة بما فيه الكفاية لكي تنشأ الحياة، أو هكذا نعتقد. وبدلا من ذلك، فإن مزيجا من الشمس المتزايدة الضياء والرياح الشمسية القاسية يعني أن كوكب الزهرة قد تعرّض لتحوّل مذهل – والذي قد يحيق بنا في المستقبل البعيد.
وتعني نتيجة هذه التغيرات أن المياه التي كانت على كوكب الزهرة قد تبخرت في الجو. أدى هذا إلى زيادة سماكة الغلاف الجوي، مما زاد من حرارة كوكب الزهرة أكثر فأكثر، حتى تبخّر (أو تسامى) الكربون المحتوى في الصخور إلى الغلاف الجوي، واختلط بالأكسجين لتكوين ثاني أكسيد الكربون. فازدادت سماكة الغلاف الجوي، وارتفعت حرارة الكوكب أكثر فأكثر، حتى تحوّل إلى العالم الذي نراه اليوم- ونطلق على ذلك اسم تأثير الدفيئة المتعاظم Runaway greenhouse effect.
لكن ما هذا العالم الذي نراه اليوم؟ حسنا، إنه عالم ساحر في حد ذاته. يحتفظ كوكب الزهرة بذلك الجو الكثيف، مما يعني أن سطحه محجوب عن ناظرينا. ولكن بفضل سلسلة من المركبات الفضائية الروسية التي أرسلت في ستينات وسبعينات وثمانينات القرن العشرين، والمركبات المدارية اللاحقة التي بعثتها وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” ووكالة الفضاء الأوروبية، فقد حصلنا على فكرة تقريبية عما يحدث هناك.
تتسم درجة الحرارة على سطح الزهرة بارتفاعها لدرجة تكفي لإذابة الرصاص، حيث تصل إلى أكثر من 450 درجة مئوية في المتوسط، مما يجعل منه أكثر كواكب المجموعة الشمسية سخونة. وتغطي سطحه تضاريس بركانية، كما نعتقد أنه قد لا تزال هناك براكين نشطة فوقه حتى اليوم. تعصف الرياح حول الكوكب بسرعات تصل إلى مئات الكيلومترات في الساعة، كما يتساقط حمض الكبريتيك على شكل أمطار في غلافه الجوي. وتوضح هذه الظروف الجهنمية سبب كون الزهرة يُعرف بـ “التوأم الشرير للأرض”.
ومع ذلك، فلو لم نتوخ الحرص في التعامل مع كوكبنا، فقد يمثل كوكب الزهرة لمحة عما ينتظرنا.
هل يمكننا أن نعيش في الواقع على كوكب الزهرة؟
الجواب القصير والممل هو لا. على الأقل ليس بعد. على السطح، تكون درجة الحرارة حارة بما يكفي لإذابة الرصاص، كما يبلغ الضغط 90 ضعف قوته على الأرض. ستنسحق إلى لب ملتهب في ثوان معدودة.
لكن، لنفترض أننا تمكّنا في المستقبل من التغلب على هذه المشكلات، فماذا يمكننا أن نتوقع؟ حسنا، سنجد السطح جافا تماما، وإن كنا نعتقد بأنه قد تكون هناك بعض البراكين النشطة في بعض الأماكن. أما الجاذبية، التي تبلغ 91 في المئة، فهي أيضا مشابهة لتلك الموجودة على الأرض. بيد أن الهواء كثيف للغاية، لدرجة أنك عندما تتجول في الأنحاء ستشعر وكأنك تشق طريقك عبر المياه.
وكذلك فسيبدو السطح مكانا غريبا. وبغض النظر عن البيئة الغريبة، فستشرق الشمس من المغرب وتغيب من المشرق بسبب الدوران الخلفي لكوكب الزهرة. ستكون السماء ذات لون برتقالي مائل للحمرة، بدلا من اللون الأزرق الذي يصبغ سماء الأرض.
ولكن على الرغم من أننا لا نستطيع أن نعيش على كوكب الزهرة، فسيمكننا أن نعيش فوقه- وبالتحديد فوق السطح بنحو 50 كيلومترا، حيث يكون الضغط ودرجة الحرارة مشابهين للأرض. كل ما سنحتاج إليه هو بذلات للتنفس من أجل حمايتنا من حمض الكبريتيك. ومن الناحية النظرية، يمكن للبشر أن يعيشوا في مدن عائمة هناك. كل ما في الأمر هو أننا لا نمتلك التكنولوجيا- أو الرغبة – في القيام بذلك حتى الآن.
مستقبل الأرض
على كوكب الأرض، نجد أن الاحترار العالمي global warming هو ما يجعل حرارة طقسنا تزداد بمعدل يُنذر بالخطر إلى حد ما. وإذا أردت مؤشرا جيدا على مدى السوء الذي يمكن أن تصل إليه الأمور، لا تنظر إلى أبعد من كوكب الزهرة.
أدى الاحترار السريع لسطح كوكب الزهرة في الماضي إلى إطلاق كميات كبيرة من بخار الماء وثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، مما عمل على تسخين السطح إلى درجة الحرارة الحارقة التي هو عليها اليوم، فيما يُعرف بتأثير الدفيئة المتعاظم. وإذا حدث الشيء نفسه على الأرض، فستموت كل أشكال الحياة.
وعلى الرغم من أن هذا لن يحدث قريبا، فمن غير المستحيل أن يحدث ذلك في المستقبل البعيد. صحيح أن الوقت المحدد الذي قد تستغرقه تلك العملية مازال غير معروفا، إلا أن إجراء المزيد من الدراسات على كوكب الزهرة قد يكشف عن الجواب، مهما كان مخيفا.