إحياء الديناصورات
هل يعني اكتشاف خلاياها- وربما حتى حمضها النووي DNA - أن لدينا فرصة لإعادة هذه الوحوش التي انقرضت منذ زمن سحيق إلى الحياة؟
وهي تحدق في الشاشة في المسرح المعتم لمركز الزوار، تهز الدكتورة إيلي ساتلر Ellie Sattler رأسها وتهمس: ”الحمض النووي“ DNA القديم، من أي مصدر؟ من أين ستحصل على دم ديناصور عمره 100 مليون سنة؟ كلنا نعرف المشهد بأنه ”الجزء العلمي“ من فيلم الحديقة الجوراسية Jurassic Park – وهو الجزء الذي يبدو مقنعاً جداً لدرجة أنه دفع محبي الخيال العلمي في معظم أنحاء العالم إلى التساؤل عن سبب عدم قدرتنا على تجميع أجزاء ديناصور عبر معجزة الاستنساخ. وقد نتساءل لأنه، كما اتضح، ربما لا يكون من المستحيل الحصول على دم ديناصور عمره 100 مليون سنة.
قبل عرض فيلم الحديقة الجوراسية، وجدت ماري شفايتزر Mary Schweitzer، عالمة الأحافير في جامعة ولاية نورث كارولينا، آثاراً للدماء في العظام المتحجرة للديناصورات. تخبرنا الكتب المدرسية أن كريات الدم والعظام تتحلل بسهولة بحيث لا يمكن اكتشافها في السجل الأحفوري. لكن في عام 2005، نشرت شفايتزر في مجلة ساينس Science صوراً تظهر ما يشبه الأوعية الدموية والخلايا العظمية في عظم ساق تيرانوصورس ريكس Tyrannosaurus rex. تقول شفايتزر: ”كان لدينا كل هذه الأنسجة الرخوة التي تتوافق مع كريات الدم والعظام بكل الطرق. كنت أعلم أن الأمر يتعارض تماماً مع ما تعلمته“.
أثارت هذه الصور عاصفة علمية. إذا أمكن إثبات أن البنى المستديرة التي اكتشفتها شفايتزر هي خلايا ديناصور نفق قبل ملايين السنين، فلابد أن أفكارنا حول التحجر Fossilisation خاطئة. لقد أجبنا أيضاً على سؤال الدكتورة ساتلر. بالنسبة إلى عشاق روايات الخيال العلمي، كان الأمر مجرد قفزة قصيرة من دم الديناصورات إلى الحمض النووي DNA، ومن ثم إحياء تيرانوصورس ريكس حي يتنفس. ما عليك سوى نزع الحمض النووي DNA، وحقنه في بيضة نعامة، والانتظار! ديناصور! صحيح؟ ليس بهذه السرعة. كما يوضح الدكتور باتريك أور Patrick Orr، خبير الأحافير في جامعة كوليدج دبلن، هناك فرق بين وجود الأنسجة الرخوة والبصمات الجزيئية للبروتينات وبين الحمض النووي DNA الذي كان موجوداً بداخل هذا النسيج. وعلى الرغم من أن دراسات أور اكتشفت وجود نخاع العظام في صخور عمرها 10 ملايين سنة، إلا أن أبحاثه لا تمتد إلى المكونات الكيميائية. يقول أور: ”ليس هناك شك، بالنسبة لي، في أن الأنسجة المعرضة للتحلل، مثل الأوعية الدموية التي ذكرتها التقارير في الأصل، يمكن أن تشق طريقها إلى السجل الجيولوجي، وهي بالفعل موجودة. لكن الأمر كان واضحاً تماماً أثناء تبلور المناقشة أن الدقة الكيميائية الفعلية هو ما كانت ماري تعلق عليه. وهو مجال منفصل تماما“.
لكن شفايتزر، التي واجهت سيلاً من الانتقادات من علماء آخرين بخصوص تحليلاتها الجزيئية، لا تزال متفائلة. بعد إخضاع الأوعية الدموية التي عثرت عليها ”لمليون طريقة“، لم تخلص سوى لأن ما اكتشفته هو بروتينات لديناصورات. أما بخصوص الحمض النووي DNA، فهي أكثر حذراً. وتقول: ”لا أجري أبحاثي على الحمض النووي DNA، فليس لدي المختبر المناسب“. ومع ذلك، ففي ورقة بحثية، كتب فريق شفايتزر عن كيف أجروا اختباراتهم على الحمض النووي DNA، جنباً إلى جنب مع البروتينات، في بنى تشبه الخلايا مشتقة من أحافير التيرانوصورس ريكس. تدّعي الدراسة أنهم اكتشفوا أجساماً مضادة ملتصقة ”بمادة تتوافق مع كونها حمضاً نووياً DNA“ بطريقة التوافق نفسها مع الحمض النووي DNA للنعامة.
فهل اكتشفنا الحمض النووي DNA للديناصورات أم لا؟ منذ يحاول علماء الأحافير عموماً تجنب الحديث عن الحمض النووي DNA، فهو سؤال تصعب الإجابة عنه. لكن الدكتور جاكوب فينثر Jakob Vinther من جامعة بريستول هو أحد علماء الأحافير الذين يفكرون في الحمض النووي DNA. وهو عضو في فريق مكون من 56 فرداً، والذي نشر خريطة جينوم حصان قديم عمره 700,000 سنة، والذي اكتُشفت عظامه المتجمدة في التربة الصقيعية Permafrost بمقاطعة يوكون، كندا. فقد حطموا الرقم القياسي لسَلْسَلَة الجينوم من حمض نووي DNA قديم بأكثر من 600,000 سنة.
كما يشرح فينتر، كانت الجزيئات القديمة متدهورة بشدة. ويقول: ”في الأساس، كان الحمض النووي DNA ممزقاً، لكننا وجدنا الكثير من الشظايا الضئيلة، وكانت الشظايا طويلة بما يكفي لأن نتمكن من لصقها معاً، ومن ثم إعادة بناء الجينوم هذا الحصان القديم“. فقد استخدموا تسلسلات الجينوم من الحمض النووي DNA للحصان المعاصر كقالب. ولكن تجميع أجزاء جينوم الديناصورات معاً سيكون أصعب بكثير – مثل أحجية من دون صورة للاسترشاد بها، ومن دون إشارة إلى أن عدد القطع المكونة لها هو 2,000 أم 20,000 أم 200,000 قطعة. وإضافة إلى ذلك، فذلك يعني العثور على حمض نووي DNA أقدم بكثير، يعود إلى عشرات الملايين من السنين على الأقل. لذلك، فعلى الرغم من أن فينتر يعتقد أن شفايتزر قد حققت بعض الاكتشافات الرائعة، فإنه يقول إنها ربما تبالغ في تفسير بياناتها.
حتى شفايتزر تتحدث بسخرية حول تجميع الجينوم الكامل للديناصورات، وتقول: ”وحتى لو امتلكنا الجينوم الكامل، فإننا لا نعرف عدد الكروموسومات التي كانت لدى الديناصورات“. إن سلسلة التعليمات البرمجية التي تشكل الجينوم، في حد ذاتها، لا تخبرنا بأي شيء عن كيفية ترتيب تلك التعليمات البرمجية على الكروموسومات داخل الخلية.
تشير شفايتزر إلى أن عدد الكروموسومات هو أحد الجوانب المحدِّدة للنوع. الحمض النووي DNA البشري معبأ في 46 كروموسوماً، وإذا حُذف أو تكرر واحد منها فقط، فقد يكون ذلك مدمراً، مما يشير إلى ما قد يحدث إذا حاولنا حشر جينوم التيرانوصورس ريكس بكامله – إذا تمكنا من الحصول على واحد – في الحزمة الخطأ.
لذلك، لا تبدو احتمالات مشروع إحياء الديناصورات وردية. يقول الدكتور ديف هون Dave Hone، عالم البيولوجيا وخبير الديناصورات في جامعة كوين ماري بلندن، إنه غير متأكد من سبب أخذ أي شخص لهذه الفكرة على محمل الجد. عندما نشير إلى أن الأمر قد يكون بسبب فيلم خيال علمي بعينه، فهو يسارع إلى الرد فائلاً: ”إنه فيلم! لقد رأيت كائنات فضائية أيضاً، لكن هذا لا يعني أن لدينا سفناً بينجمية ستبدأ هبوطها على كواكب أخرى، وأن علينا أن نبدأ بالقلق بشأن ما إن كنا بحاجة إلى حجرهم صحياً أم لا“.
ويضيف أن تجميع جينوم ديناصور كامل هو مجرد مشكلة أولى ضمن سلسلة طويلة من المشكلات- فإدخاله إلى خلية ومن ثم نموه إلى ديناصور جنيني أمر لا يمكن تصوره تقريباً، لا سيما في ضوء الجهد الهائل الذي استغرقه استنساخ نعجة واحدة، وهو حيوان نعرفه جيداً. وفيما يتعلق بمشروعات أخرى مقترحة للإعادة من الانقراض De-extinction، مثل الحمام المهاجر Passenger pigeons، يبدو هون أكثر تفاؤلا بعض الشيء. نظراً لوجود الحمام المهاجر في مجموعات المتاحف وأقارب على قيد الحياة من الحمام المعاصر، فمن غير المبالغة التفكير في استنساخ إحداها.
وفي الوقت نفسه، تواصل شفايتزر دراستها- فهي حريصة على تعلم كل ما في وسعها حول تطور الديناصورات، ولكن ليس استنساخ التيرانوصورس ريكس، كما تقول. ”هل يستحق الأمر حقاً القيام به إذا كنت ستعيد واحداً منها فقط؟ أعني أن الأمر يتطلب 5,000 كائن حي لإنشاء مجتمع قابل للحياة. من أين ستأتي بخمسة آلاف ديناصور؟ وأين ستضعها إذا فعلت ذلك؟“