بالنسبة لكثير منا، فإن الطوابير البطيئة والمتثاقلة عند النقاط الأمنية للمطارات تمثل إزعاجا ضروريا؛ وهو حق المرور الذي يجب علينا جميعا أن نتحمله قبل أن نبدأ في التمتع برحلة إلى الخارج، لكن قليل هم من يفكرون مليا في التقنيات والمعدات الرائعة التي تم تطويرها للحفاظ على سلامتنا أثناء تواجدنا فوق السحاب.
في هذا الملف، سنشرح العلوم وراء عملية الفحص الشاملة هذه، ولكن علينا أولا أن نسأل أنفسنا: لماذا نحتاج إلى أمن المطارات. عندما يُطرح هذا السؤال، فإن معظم الناس يفكرون فورا في الهجمات الإرهابية ضد الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر 2001. لقد هزت هذه الفظائع العالم، وكانت الحافز وراء رفع مستويات الأمن إلى المستويات الموجودة اليوم. لكن علينا أن نعود إلى ما وراء ذلك، إلى الستينات والسبعينات، لاكتشاف أصول أجهزة المسح بالأشعة السينية وأجهزة الكشف عن المعادن التي صارت مألوفة للغاية. سيمثل مطار أمريكي قبل عام 1973 مكانا غريبا للمسافر الحديث: لم يكن تحديد الهوية ضروريا في الرحلات الداخلية، ونادرا ما كان يتم مسح الركاب، ولم يكن يتم تفتيش سوى الأشخاص المشبوهين الذين تضيء بمرورهم أجهزة الإنذار. لم يكن مفاجئا حينئذ أن يؤدي هذا النهج المتراخي نسبيا إزاء الأمن إلى زيادة النشاط الإجرامي في الأجواء؛ ففي عام 1969 وقعت 40 محاولة اختطاف في الولايات المتحدة وحدها.
لكن الحاجة إلى تدابير أمنية إضافية نتجت عن واحدة من أكثر عمليات السطو غرابة في التاريخ الحديث: عملية الخطف التي قام بها دي بي كوبر. في عام 1971، قام رجل مهذب وهادئ عرّف نفسه باسم دان كوبر بدفع نقدا ثمن تذكرة في اتجاه واحد من بورتلاند الى سياتل. وبمجرد أن صعد على متن الطائرة، أظهر للمضيفة الجوية محتويات حقيبته، التي كانت معبأة بالكامل بالأسلاك والعصي ذات اللون الأحمر- قنبلة. طالب كوبر بمبلغ 200,000 دولار وأربع مظلات. وبمجرد تلبية مطالبه أطلق سراح الركاب الآخرين، وأبقى طاقم الطائرة على متن الطائرة، وأمر الطيار بالإقلاع. وعلى ارتفاع منخفض بلغ حوالي 3,000 م، فتح باب الخروج الخلفي، وهو يحمل مظلة على ظهره وقد ربط المال إلى صدره بالحبال قفز كوبر في ظلام الليل، ولم يعثر عليه أبدا. ألهمت عملية السطو الشائنة والجريئة هذه كثيرا من المجرمين الآخرين، فتبعها عدد من المحاولات المشابهة. وبحلول يناير 1973، قررت الحكومة تنفيذ تقنيات للفحص يمكنها اكتشاف الأسلحة والمتفجرات عند نقاط التفتيش الأمنية، مما أدى إلى انخفاض حتمي في عدد حالات الاختطاف بعد فترة وجيزة. مثّل هذا مولد الأمن الحديث، وقد تطور باستمرار في السنوات التالية لمواجهة التهديدات المتغيرة باستمرار. فكاشف المعادن، مثلا، الذي يستخدم منذ عقود، لم يعد قادرا على اكتشاف كافة الأخطار الحديثة.
لقد تحول المجرمون من البنادق والسكاكين المعدنية إلى المتفجرات غير المعدنية، وكان على التقنيات الأمنية أن تتكيف تبعا لذلك. أدى ذلك إلى ظهور الماسح المتطور بالموجات الراديوية، والذي يبث موجات ملليمترية وتقنيات مشتتة للأشعة السينية، والتي يمكنها فحص الركاب بحثا عن الأشياء الخفية دون تفتيش ذاتي. ومع ذلك، فلا تخلو هذه التقنيات من العيوب، وسنقوم في هذا الملف باستكشاف قضايا خصوصية المستخدم، وسنتناول بالتفصيل مخاوف السلامة المتعلقة بالمعدات الجديدة.
تتجاوز التدابير المبتكرة مجرد الماسحات الضوئية للجسم- فكثيرا ما تحتوي المطارات على معدات لاكتشاف القنابل، والمستوحاة من أبحاث علمية فاز أصحابها بجائزة نوبل. قد تصير “آلات شمّ” الكيماويات المحمولة عما قريب مشهدا شائعا سيحل محل الكلاب. وهناك أيضا تركيز على الراحة أكثر من ذي قبل، مع استخدام الماسحات الآلية لجوازات السفر ومزيد من إجراءات السلامة وراء الكواليس، مثل تكنولوجيا البصمات البيومترية للسماح لموظفي المطار بالدخول.
يعد الطيران واحدا من أكثر وسائل السفر راحة. ومن خلال التصميم البارع، فالطائرات هي أيضا إحصائيا المركبات الأكثر أمانا للسفر، وقد لعب أمن المطارات دورا محوريا في ضمان أن تظل آمنة. إن فصل السوائل والحواسيب المحمولة عن بقية أمتعتك، وخلع حذاءك، والقيام بمسح ضوئي قد يبدو مزعجا في بعض الأحيان، لكن المعدات مع هذه التدابير تصبح أكثر فعالية وأقدر على الحفاظ على سلامتنا. والآن، وبعد أن صارت لدينا القدرة على اكتشاف الأشياء تحت طبقات من الملابس، وإجراء مسح شامل لأمتعة المسافر،ين واكتشاف الآثار الطفيفة للمركبات الخطرة، لم تكن مطاراتنا أكثر أمانا مما هي عليه أبدا.