أصل البشر
استكشف حياة أسلافنا الأوائل والهجرة البشرية العظيمة التي نشأت عنها المجموعات السكانية الحالية
بقلم: إيلسا هارفي
كيف وصلنا إلى هنا؟ طوال معظم حياتنا، لدينا بعض التحكم فيما نقوم به وإلى أين نذهب. ولكن الحركات والقرارات التي اتخذها من أتوا قبل آلاف السنين شكلت تطور النوع Species الذي ولدنا فيه. ونتيجة للهجرة المبكرة، هناك الآن القليل فقط من الأراضي على كوكبنا مما لا يستوطنها البشر. وأدى تطورنا إلى التكيف على مع موقع إلى إحداث اختلافات في مظهرنا وسلوكنا وثقافتنا. وإذا عاد بك الزمن إلى الوراء 200 ألف سنة؛ فلن تكون هذه هي الحال. على الرغم من اختلافاتنا، يمكن تتبع أصول كل واحد منا إلى مجموعة سكانية واحدة. وبينما عاشت أنواع أخرى تشبه البشر في قارات مختلفة- مثل هومو نياندرتالينسيس Homo neanderthalensis في أوروبا، وهومو فلوريسينسيس Homo floresiensis في آسيا – أسلافنا، يعتقد أن هومو سابيسنس Homo sapiens القديم جاء من إفريقيا. ولما كان ذلك هو المكان الذي تطور فيه البشر لأول مرة، فهو أيضاً حيث قضى جنسنا معظم وقته.
وفي أرض تجول فيها الأسود والأفيال والنُّوWildebeest، خاض البشر الأوائل معركة مستمرة من أجل البقاء. وتُظهر بعض المواقع، مثل بحيرة فيكتوريا Lake Victoria في كينيا، عظام الحيوانات التي اصطادوها لتناول العشاء، لكن حياتهم لم تكن سهلة، في ظل المنافسة من الحيوانات آكلة اللحوم والتهديد المستمر الآتي من كل مكان. وقد ربطت الدراسات البيولوجية بين تطور أسلافنا، من اكتساب أدمغة أكبر إلى زيادة تناول الأطعمة الغنية بالبروتين. ويعتقد الخبراء أن زيادة معدلات الصيد وكذلك إمكانات المشهد الإفريقي في توفير سراخس الأراضي الرطبة الغنية بالبروتينات والقشريات والقواقع، ساهمت في تطورنا.
وعندما حان الوقت لاستكشاف المجموعات البشرية لمناطق أخرى، صارت الهجرة الناجحة إلى الخارج ممكنة بسبب انخفاض مستويات سطح البحر في العصر الجليدي. وتقلصت الفجوة بين القارات لدرجة أن البشر الأوائل حاولوا عبورها – ونجحوا. وكان هذا على الأرجح بحثاً عن مصادر غذائية مناسبة، وعن مناخ وفضاء أفضل. ووصل البشر إلى أراضٍ بعيدة؛ مما زاد من استيطانهم للمناطق وسمح للهومو سابينس بالانتشار.
ولكن كيف يمكننا متابعة وفهم هذه الرحلة التي حدثت قبل زمن بعيد؟ على الرغم من الوقت المنقضي، ترك البشر القدامى آثاراً للسبل التي سلكوها: هم أنفسهم. وبدراسة بقايا أجسادهم، وكذلك الأدوات التي صنعوها وأعمالهم الفنية النافذة البصيرة، يمكننا فهم بعض جوانب حياة وتحركات أسلافنا القدامى.
وإضافة إلى الكشف عن المستوطنات الجديدة الناجحة، أدت بقايا الهياكل العظمية دوراً في كشف العديد من المحاولات الفاشلة لمغادرة الوطن الأصلي. ويبدو أن موجة من المهاجرين السابقين هلكت عند محاولة مغادرة إفريقيا عبر الصحراء الكبرى. وعندما عاد الجفاف إلى المنطقة كانت الموارد شحيحة؛ مما تركهم لمصيرهم المحتوم في تلك الأراضي الجافة الخطرة.
أما مَنْ خرجوا من إفريقيا؛ فيرجح أنهم واجهوا أقارب يشبهون البشر ولكن بسماتٍ تختلف عن هومو سابيسنس. فقد كانت هناك تسعة «أنواع بشرية» معروفة تجوب الأرض منذ نحو 300,000 سنة. إذن، كيف اختزلت هذه الأنواع المتباينة إلى النوع الوحيد الموجود اليوم؟ لقد واجه هومو سابيسنس المبكر أحد هذه الأنواع في أوروبا. وتجوَّل عبر هذه المنطقة أفراد هومو نياندرتالينسيس، المعروفين بالنياندرتال، ولكن كما هي الحال مع الأنواع السبعة الأخرى، ففي غضون بضعة آلاف من السنين من هجرة البشر إلى خارج إفريقيا، انقرض النياندرتال. وتوجد آثار حمضهم النووي DNA في العديد من الأوراسيين حالياً، مما يثبت أن أسلافنا الأوائل لم يتنافسوا ويحلوا محل بعضهم البعض فحسب- بل تزاوجوا أيضاً؛ مما أدى إلى ظهور سمات بشرية جديدة.