أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم الطبيعية

أسرار الجلد

اكتشف المزيد عن علم الجلد وتطوره عبر سلسلة الأفلام الوثائقية «أسرار الجلد» للبروفيسور بن غارود، على قناة BBC الرابعة.

البروفيسور بن غارود Ben Garrod هو مذيع تلفزيوني وأستاذ البيولوجيا التطورية والتواصل العلمي في جامعة إيست أنجليا University of East Anglia. ويستكشف تطور الجلد والحراشف في سلسلة وثائقية جديدة لهيئة الإذاعة البريطانية

ما الذي ألهمك لإعداد هذه السلسلة وخاصة استكشاف أسرار الجلد؟
يعجبني نمط هذه السلسلة، لأنها لا تقتصر على مجرد الوقوف في الخلفية والتأمل في عظمة الطبيعة، إنها تتوغل في أعماق العلوم وتستكشف كيف تعمل الأشياء المختلفة. فقد أردنا أن ندرس الجلد على وجه الخصوص لأنك كثيراً ما تشاهد أفلاماً وثائقية حول مواضيع مثيرة كبيرة، مثل العظام والأوعية الدموية والقلب، ولكن يبدو أن الجلد قد أُغفل باعتباره أمراً مفروغاً منه. وعندما تنظر إلى الجلد بمنظور تحليلي صرف ثم عبر العدسة المكبرة، يتغير الأمر تماماً ولا يصبح الجلد مجرد حاجز بيننا وبين العالم الخارجي، بل هي قصة كاملة في حد ذاتها. ورأيت أن هذه القصة تستحق أن تُروى من منظور علمي وبطريقة ممتعة ومشوقة.

ما مدى تنوع الجلد؟ كيف تطور نتيجة لتغير البيئات؟
من حيث التنوع، فإنه يمكن للجلد أن يتكيف مع كل شيء من درجات الحرارة القطبية إلى البقاء على قيد الحياة في حرارة تبلغ 40 °س وجميع الدرجات بينهما. وهناك حيوانات يمكنها طرح جلدها، والتخلص من ذيلها، وتغيير لونها في غضون ثانية واحدة، قبل أن تعود إلى حالتها الأصلية مرة أخرى. نحن نعلم أن الحبار يمكنه تغيير لونه وملمس جلده على الفور من ناعم أملس إلى جلد مفعم بالخيوط [التي تشبه الشعر]. ويمكّن الجلدُ الحيواناتِ من الاندماج في كل بيئة يمكن تخيلها، وهو السبب في أنه واحد من تلك المواضيع المثيرة. إنه ليس مجرد حاجز سلبي؛ بل هو جهاز تفاعلي بيننا وبين العالم الخارجي، يستغل ويتفاعل مع البيئة نفسها ومع المخلوقات الأخرى التي تعيش فيها. ومن حيث التنوع: تخيل موقفاً أو بيئة أو موطناً لا يوجد فيه جلد للتكيف معه.

تؤدي البيئة دوراً هائلاً في كيفية تطور نوع ما وتكيفه، ولكن ما القوى الدافعة الأخرى التي تؤثر في تطور الجلد؟
ربما كان هذا هو السبب في تنوع الجلد من حيث الشكل والوظيفة، لأنه يخضع لجميع العناصر المختلفة، مثل العلاقات بين الفرائس والمفترسات. ومن السهل أن نرى ذلك بالنظر إلى أنواع مثل المُدَرَّع والسلحفاة. أما المفترسات، فتمتلك أسماك القرش، مثلاً، نتوءات سنية جلدية Dermal Denticles، وهي الأسنان الضئيلة المتجهة إلى الخلف. وفي الأساس، يُغطَّى القرش بملايين الملايين من الأسنان فوق جميع أجزاء الجسم، ويمكنه السباحة بسلوكيات ديناميكية سريعة جدّاً بفضل وجود هذا الغطاء الهيدروديناميكي الانسيابي جداً على جسده. ويسمح ذلك لأسماك القرش السريعة السباحة، مثل قرش الماكو Makos، بالانطلاق عبر المياه. فقد نظرنا إلى العلاقة بين الفرائس والمفترسات كضغط تطوري انتخابي (انتقائي) Selective evolutionary pressure للجلد – ومضاد للطفيليات أيضاً. وفي حالة ضفدع السهم السام Poison dart frogs، مثلاً: نعتقد أن جزءاً من سبب كونها شديدة السُّمّيّة لا يقتصر فقط على كونها مضادة للافتراس، لكن [السم] يعمل أيضاً كمركبات كيميائية مضادة للفطريات والبكتيريا. لذلك، فالأمر يشبه في الأساس تنظيفاً ذاتيّاً كغسل اليدين، وهي تتقافز عبر الغابة. إنها تتطور لكي تتفوق على بعضها البعض، من حيث العلاقة بين الفرائس والمفترسات، ومن حيث الطفيليات ومسببات الأمراض.
وهناك الانتخاب الجنسي Sexual selection، كل شيء من الطاووس، بذيله الضخم والزاهي الألوان، إلى نسانيس المندريل (الميمون) Mandrill. والوجوه ذات الألوان الرائعة الزاهية لهذه النسانيس الجميلة – التي تعيش أحياناً في مجتمعات يبلغ أفرادها 800 أو 900 – [تستخدم لتجنب] القتال البدني وإلحاق الكثير من الضرر – لأن لديها أنياباً أكبر من أنياب الأسد. ومن الواضح أن مخاطر القتال بهذه الأسنان مرتفعة جداً وقد تسبب الوفاة. ولكن بامتلاكها لهذه الوجوه الزاهية الألوان، فإن أي تغير في الشدة والألوان خلال نضجها جنسياً يحول دون الدخول في قتال، والإصابة والموت [إذ يحترم مجتمع المندريل التسلسلَ الهرميَّ]. ومن ثمَّ هناك طيف كامل من العوامل المختلفة التي توجّه التطور.

هل هناك أي نوع يتسم جلده بسوء التكيف مع بيئته؟
إذا عاش أي نوع لأي فترة من الزمن في بيئته، فمن المفترض أن يتكيّف بشكل جيد، وإلا قضى عليه المنافسون. حتى الحيوانات التي تبدو ضعيفة حقّاً: ففأر الخلد العاري Naked mole rat، مثلاً، إذا وُضِع فوق سطح الأرض سيموت في غضون دقائق. ولكن تحت الأرض، حيث يعيش، يكون جلده مذهلاً. إنه مثل حيوان صغير يعيش في كيس النوم، ويتجول تحت الأرض بهذا الجلد الناعم والقوي في الوقت نفسه. نحن نعلم أنها تعيش لفترة أطول بكثير من أي قوارض أخرى في حجمها نفسه، كما نعلم أنها لا تصاب بالسرطان، ونعلم أنها لا تصاب بالعدوى البكتيرية بالطريقة نفسها التي تصاب بها الحيوانات الأخرى. وهذا الجلد ملائم تماماً لبيئته. نحن نرى ذلك مراراً وتكراراً في العديد من الأنواع. وفي السياق الصحيح، ما يبدو كأنه تكيف جيد سيكون في كثير من الأحيان وسيلة لتقوية جيناته. وأكبر مجال أحبُّ دراسته، والذي يغريك للاعتقاد بوجود تكيف سيِّئ هو الانتخاب الجنسي. وأفضل مثال على ذلك هو الطاووس. هذا الحيوان ضخم جدّاً ومثقل بالريش … إنه يشبه لافتة هائلة لجذب الأنظار جميع المفترسات في المنطقة. فهو أمر معارض للبداهة تماماً وقد أربك علماء البيولوجيا والطبيعة منذ القرن الثامن عشر على الأقل.
ولكن التطور هو مجرد انتخاب طبيعي، والمكون الأكبر لذلك هو الانتخاب الجنسي، الذي كثيراً ما يعمل ضد الانتخاب الطبيعي. ولا تحتاج الحيوانات الفردية إلى البقاء على قيد الحياة، بل تحتاج فقط إلى إبقاء ذريتها حية. وهناك بعض الحيوانات ذات الجلد والريش والشعر والحراشف الرديئة، التي تزيد في حدِّ ذاتها من فرصته (الذكر عادة) في التعرض للافتراس، ولكن يُؤمَّل بأن تعزز فرصة نقل جيناته إلى الجيل التالي.

كيف اختصرت هذا الموضوع التطوري الكبير في سلسلة من ستة أجزاء؟
فيما يتعلق بانتقاء القصص الفعلية، يشبه الأمر الاختيار من بوفيه. لا يمكنني أخذ كل شيء من البوفيه. لا يُسمح لك إلا بأن تأخذ بضعة أشياء من هنا وهناك، حيث يمكنك الحصول على مجموعة جيدة، وهذا ما فعلناه في هذه السلسلة. فقد اخترنا بعضاً من أكثر الجوانب غرابة وروعة وأمثلة على السلوك والتكيفات التطورية المرتكزة على الجلد، لكننا سمحنا أيضاً برواية سردية هنا. فقد قسمنا السلسلة إلى ستة مواضيع رئيسية.
ويعرض الأول التكيفات كإضافة مرحب بها للجلد – بعض المناطق الكبيرة المقسّمة التي سأنظر إليها كبيولوجي. وهذه هي الموضوعات التي سأدرّسها لطلابي، وأعتقد أن هذه السلسلة تقسمها إلى أجزاء كبيرة متماسكة تربط بينها رواية سردية. فمثلاً، عند النظر في التواصل البسيط مثل ألوان ريش الطيور. فهي طريقة لقول «ابتعد عني» أو «لنتزاوج وننجب بعض الفراخ». وهذا التواصل بسيط جداً، ولكن بعد ذلك تزداد السلسلة عمقاً، مثل النظر تحت مصباح الأشعة فوق البنفسجية لمعرفة ما يُظهره جلدها. وكل حلقة تروي قصة في حد ذاتها، ولكن بعد ذلك تبني كل حلقة هذه الصورة الأكبر، وبحلول نهاية السلسلة، ستكون قد انتقلت من فهم كيف يعمل الجلد كحاجز، إلى ماذا يفعل حقا؟ مِمَّ يتكون الجلد والريش والشعر والحراشف؟ أعتقد أنها مقدمة لأي شخص لم يفكر قطُّ في الجلد كموضوع مهم. وكذلك، فالأمر الجيد هو أن السلسلة مخصصة للأطفال والعائلات، لكن الأكاديميين يمكنهم مشاهدتها أيضاً.

ما الذي سيجده المشاهدون أكثر إثارة للدهشة في السلسلة؟
إنها معرفة أن جلدك ليس بيئة سلبية كما تعتقد. جلدك نفسه يزخر بالأنواع المختلفة مثلما تزخر بها سيرينغيتي أو الأمازون أو حتى الحاجز المرجاني العظيم. وهناك قدر من المخلوقات التي تعيش فوقك مثل تلك التي تعيش في أي من هذه الأماكن حول العالم، وفي النهاية أنت لست وحدَك أبداً. وفي هذه السلسلة أتوجه للالتقاء ببعض أقرب جيراني، حرفيّاً، وهو ليس بالأمر اللطيف. نحن ننظر إلى الجلد على مستوى مجهري وهناك أشياء تعيش بداخل جلدي ولم أكن أتوقعها حقّاً. وجعلني ذلك أدرك أنه إذا لم يكن الجلد موجوداً في الخارج، لكان كل ذلك موجودا في الداخل، وهو ليس بالأمر الجيد. ويجب أن أضيف أنني لم أُختَبر وحدي، بل فريقي أيضاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى