أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تكنولوجيا

مستقبل الزراعة

كيف يستخدم المهندسون الزراعيون التكنولوجيا للمساعدة على إطعام سكان عالمنا المتزايد؟

هل تساءلت يوما كيف تقطع الفواكه والخضروات رحلتها من الزراعة إلى السوق؟ سواء كنا نتمتع بالطعم الاستوائي لثمار البابايا من هاواي أو نتذوق السبانخ المطهية على البخار من غرب آسيا، يرجع الفضل للمهندسين الزراعيين في تمكننا من التمتع بالطعام المجلوب من الجانب الآخر من الكوكب. وهؤلاء المختصون مسؤولون عن التصدي للتحديات الهائلة المرتبطة بتغذية أعداد البشر المتزايدة بمعدلات أكثر من أي وقت مضى باستخدام كميات محدودة من الأراضي. خلال الستينات، كان كل مزارع يُنتج من الغذاء ما يكفي لإطعام نحو 26 شخصا.

ونظرا لزيادة الطلب، يتعين على المزارع اليوم إطعام نحو 155 شخصا في جميع أنحاء العالم. ولكن، فبحلول عام 2050، تشير التقديرات إلى أن عدد سكان العالم قد يصل إلى 9.8 بليون نسمة، ومن ثمَّ سيتعين زيادة إنتاج الطعام بنحو %70 لإطعام كل هذه الأفواه الإضافية.

ولكن عندما تزداد صعوبة المهمة، يهب المهندسون الزراعيون لمساعدة المزارعين للزراعة باستخدام حلول مبتكرة. وبحلول عام 2050، فمن المتوقع أن يعني التقدم في التكنولوجيا الزراعية أن كل مزارع سيحتاج إلى إطعام أكثر من 265 شخصا.

فقد بدأ العمل على تغيير الطرق التي نستخدمها في الزراعة- من تحديث ركائز النمو وتصميم حلول جديدة لتخزين المحاصيل من أجل تحسين ظروف الزراعة في الأماكن المغلقة. ويؤمل بأن تؤدي هذه الإجراءات إلى تحقيق مستقبل أكثر استدامة عن طريق زيادة الأمن الغذائي، وتقليل الطلب العالمي على الأراضي الزراعية، وخفض معدلات إزالة الغابات.

الزراعة الدقيقة

الزراعة الدقيقة هي ممارسة زراعية حديثة تهدف إلى زيادة كفاءة إنتاج المحاصيل باستخدام التكنولوجيا، من أجل توفير علاجات أكثر تخصيصا للمحاصيل.

وتستفيد هذه الطريقة من صور الأقمار الاصطناعية والمجسات في رصد صحة المحاصيل والتقنيات ذات المعدلات المتغيرة لمراقبة التطبيقات المتعلقة بالمياه والأسمدة.

فقد ولدت صناعة الزراعة الدقيقة مع إدخال الجرارات الموجّهة بنظم تحديد المواقع العالمية (GPS) خلال أوائل التسعينات، مما يسمح للمركبات بالملاحة الذاتية وفقا لإحداثيات الحقل، كما يسمح للمزارعين بالعمل في ظل ظروف الرؤية المنخفضة. وأحدثت هذه الأنظمة ثورة في كيفية زراعة المحاصيل، وكيفية توزيع الأسمدة، فتقلل من إهدار البذور والأسمدة والوقود والوقت- ومن ثمَّ المال. ومعظم المزارع الحديثة تستخدم الآن الجرارات الموجهة بنظم GPS، جنبا إلى جنب مع سلسلة من المجسات التي تساعد على قياس نوعية التربة.

وعن طريق تسجيل البيانات المتعلقة بدرجة الحرارة والرطوبة والمغذيات، يمكن تخطيط حقول بأكملها وفقا لغلة المحاصيل، مما يسمح للمزارعين بتعديل ممارساتهم للمساعدة على تحسين المناطق التي تعاني صعوباتٍ في إنتاج المحاصيل.

فمثلا، يمكن توفير المزيد من المياه والأسمدة للمناطق التي تنمو فيها النباتات بصعوبة، مع تقليل الإمدادات الموجّهة إلى المناطق التي تزدهر فيها المحاصيل بالفعل. وتستخدم البيانات التي تعالج في نظم الزراعة الدقيقة في جميع أنحاء العالم لتحسين المزارع، من التنبؤ بأفضل وقت لجني المحصول إلى توقع تفشي الآفات والأمراض قبل أن تؤثر في المحاصيل.

المزارع العمودية

تجلب الزيادة السريعة في عدد السكان طيفا كاملا من التحديات التي تواجه كوكبنا. وستكمن المشكلة الرئيسية في توفير ما يكفي من الطعام لهؤلاء الأشخاص الإضافيين باستخدام كمية الأراضي الصالحة للزراعة المتوفرة لدينا حاليا.

تمثل المزارع العمودية أحد الحلول الهندسية التي طورت للمساعدة على حل هذه المشكلة. وعن طريق زيادة المحاصيل في طبقات متراصّة لتوفير المساحة، يمكننا الاستفادة من الفضاء الرأسي، تؤدي الزراعة لأعلى بدلا من الزراعة للخارج إلى زيادة إنتاجية المنطقة المستزرعة بنسبة تتراوح بين أربعة وستة أضعاف.

وقد أشيد بهذه المقاربة المبتكرة باعتبارها “الثورة الخضراء الثالثة”، وتهدف إلى إنتاج الأطعمة الطازجة في الظروف غير المواتية، مثل المدن الجبلية الواقعة على ارتفاعات شاهقة والصحاري الجافة والمدن المزدحمة.

وتتسم هذه الأخيرة بأهمية خاصة، إذ يتوقع الخبراء أن يعيش ثلثا سكان العالم في المناطق الحضرية بحلول عام 2050. وستدعو الحاجة إلى الزراعة العمودية للمساعدة على توفير منتجات محلية طازجة لسكان المناطق الحضرية المتزايدين في العالم.

فعادة ما تستخدم المزارع العمودية نظم الزراعة المائية Hydroponic، التي تُزرع فيها النباتات من دون تربة. وبدلا من ذلك، تعلّق جذورها في مصدر للمياه الغنية بالمغذيات. وكذلك، فإن طرق الزراعة المائية الهوائية Aeroponic- وفيها تعلّق جذور النباتات في ضباب غني بالمغذيات- تقلل أكثر من متطلبات المياه وكذلك الوزن.

وتعتمد المزارع العمودية على استخدام مصادر الضوء الاصطناعي، فتستخدم مصابيح الصمامات الثنائية الباعثة للضوء (LED) كمصدر صغير الحجم وموفّر للطاقة. لكن فواتير الكهرباء المرتفعة قد تجعل الزراعة العمودية خيارا غير جذاب.

وتساعد هذه البيئات الداخلية المحكومة المزارعين على تهيئة الظروف المثلى للنمو السريع والصحي لمنتجاتهم بطريقة لا يمكن تحقيقها في مزرعة تقليدية.

التعديل الوراثي

اشتهر التعديل الوراثي باعتباره الابتكار الذي يحتمل أن يقضي على الجوع في العالم. إذ يؤثر الجفاف والمرض والآفات في المحاصيل في جميع أنحاء العالم. وفي الوقت الراهن يقل معدل الزيادة في غلة المحاصيل عن %1.7، في حين يجب أن تكون الزيادة السنوية 2.4 % لتلبية متطلبات السكان المتزايدين والمعايير التغذوية. وعموما من المقبول أن تحل هذه العقبات بالإدخال الواسع النطاق للمحاصيل المعدلة وراثيا، والذي يمكن تحقيقه عن طريق هندسة النباتات لكي تزدهر في ظروف دون المستوى الأمثل.

كيف يمكن للتعديل الوراثي أن يساعد على زيادة جودة المحاصيل المهمة؟

يكمن السر في تحرير Editing جينوم الكائن الحي لتحسين قدرته على البناء الضوئي. لقد نجحت الذرة وقصب السكر لأنهما يستخدم طريقة أكثر كفاءة تسمى التمثيل الضوئي للميثان (C4). وألهم هذا الاكتشاف مشروعات بحثية في جميع أنحاء العالم لبدء دراسة جدوى إنتاج الأرز C4 والقمح C4.

ويمكن أن يساعد التعديل الوراثي أيضا على زيادة غلة المحصول، مما يعني استخدام الأراضي بكفاءة أكبر. وإضافة إلى ذلك، فيمكنه تقليل الحاجة إلى مبيدات الأعشاب ومبيدات الآفات الأخرى، كما يمكن تعديل المنتج نفسه بحيث يحتوي على الجينات اللازمة لحماية نفسه. وتستخدم الكائنات المعدلة وراثيا (GMOs) بالفعل في جميع أنحاء العالم. فمثلا، هُندس نبات البابايا في الولايات المتحدة وراثيا من أجل تحمّل عدوى فيروس البقع الحلقية Ringspot Virus، الذي قضى تقريبا على إنتاج هذه الفاكهة في الثمانينات. ويعتمد مستقبل الكائنات المعدلة وراثيا على التقبّل الواسع النطاق لسلامتها وأهميتها حتى يمكن توزيعها أكثر على من يحتاجون إليها.

الروبوتات والدرونات

دمجت الآلات في كل جانب من جوانب حياتنا، مما غيّر كل شيء من الطريقة التي نتواصل بها إلى طرق سفرنا، ولذلك فمن المنطقي أن تغيّر الروبوتات شكل الزراعة. وتؤدي الروبوتات الزراعية، المعروفة بـAgbots بالفعل دورا خلال مرحلة الحصاد، وقد شهدت التطورات الأخيرة إدخال هذه التقنية لمكافحة الأعشاب الضارة وزراعة البذور وتحليل التربة. وتُنشر بعض هذه الإلكترونيات لاستبدال العمالة البشرية، مثل الروبوتات الزراعية المبرمجة لجني الفواكه أو رش المحاصيل، مما يزيد من سرعة العملية. ويعتمد التصميم الميكانيكي للروبوت الزراعي بدرجة كبيرة على الغرض منه، وتحدده النهاية الفاعلة للروبوت End Effector. فمثلا، تكون النهاية الفاعلة لروبوت الرش الزراعي هي فوهة الرش، في حين قد يكون الروبوت في نهاية خط الإنتاج مزودا بنظام للتعبئة. ويمكن للدرونات أيضا أن تؤدي دورا في الزراعة الدقيقة، فتساعد المزارعين على رصد المحاصيل عن طريق إنشاء خرائط ثلاثية الأبعاد لتحليل التربة باستخدام تقنية الصدى فوق الصوتي وأشعة الليزر.

المستقبل

أحدثت الحلول الهندسية ثورة في الزراعة، وفي وجود العديد من أدوات التكنولوجيا الفائقة المتاحة أمامنا، فقد يمثل إنهاء الجوع في العالم هدفا قابلا للتحقيق خلال العقود القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى