أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
التاريخ

كيف تحقق النصر في معركة واترلو

عندما عاد نابليون بونابرت من المنفى لاستعادة إمبراطوريته، وجد في مواجهته جيشين متحالفين عازمين على دحره.

بقلم: تيم ويليامسون

في عام 1814 هُزم نابليون بونابرت، إمبراطور فرنسا وغازي أوروبا، أخيراً ونفي إلى جزيرة إلبا Elba في البحر الأبيض المتوسط. ومع ذلك، فبعد أكثر من عشرة أشهر بقليل، هرب من سجنه في الجزيرة ورسا على الساحل الجنوبي لفرنسا في أول مارس 1815 لاستعادة إمبراطوريته المفقودة. وسرعان ما جمع مؤيديه، كما أن الجيوش التي أرسلها الملك لويس الثامن عشر لمحاربته غيّرت ولاءها بسرعة، فأعلنت مبايعتها للإمبراطور العائد. وصدمت أخبار عودة نابليون القارة، وبعد فترة قصيرة، اصطف ائتلاف جديد من الدول الأوروبية ضده. وتحرّك كل من دوق ويلنغتون، قائد جيش الإنجليز والحلفاء، وغيبهارد ليبرخت فون بلوخر، قائد الجيش البروسي، لاعتراض الجيش الفرنسي الذي كان قد شرع في غزو بلجيكا.

كان ويلنغتون يعلم أنه لا يستطيع هزيمة جيش نابليون بمفرده. وكان عدد الفرنسيين أقل بقليل من قوات الإنجليز والحلفاء التي تألفت من القوات البريطانية والهولندية والألمانية والبلجيكية، إضافة إلى عدد من الجنود من دول أخرى. أما على الجبهة الشرقية؛ فقد قاد بلوخر نحو 115,000 رجل، وهو ما كان كافياً لقلب ميزان القوى ضد نابليون- فقط لو تمكن أحد الجيشين من الوصول إلى الآخر في الوقت المناسب. ولكونه مدركاً لذلك، كان نابليون مصمماً على دق إسفين بين أعدائه، باستخدام التفوق العددي لجيشه لهزيمة كل منهما على حدة.

وفي 16 يونيو أوشكت هذه الاستراتيجية على تحقيق النجاح. وفي نحو الساعة الثانية بعد الظهر هاجم المشير الفرنسي ميشيل ناي ويلنغتون في كواتر برا، وهو مفترق طرق حيوي على الطريق المؤدي إلى بروكسل. وإلى الشرق من ذلك، في لينيي Ligny، هاجم نابليون بلوخر وأجبره على التراجع شمالاً. وأمر نابليون أحد جنرالاته، وهو المارشال إيمانويل دي غروشي، بملاحقة القوة البروسية عن كثب، بينما عاد هو إلى ناي في كواتر برا؛ مما سمح لويلنغتون بالفرار.

وانسحب الدوق إلى الشمال وتوقف في ليلة 17 يونيو للتمركز في قرية واترلو. وليس ببعيد عنه، فقد عسكر نابليون وجيشه إلى الجنوب منه، حيث استقر الإمبراطور في مزرعة تدعى لا كايلو. وهطلت الأمطار الغزيرة طوال الليل على كل من الجيشين وحولت معظم الأرض بينهما إلى مستنقع موحل، وهو ما أدى دوراً حاسماً في صباح اليوم التالي. وبعد استيقاظه وهو يشعر بثقة تامة، أعلن نابليون لجنرالاته أن هزيمة ويلنغتون ستكون «في مثل سهولة تناول وجبة الإفطار». وفي الوقت نفسه، كان ويلنغتون يتفقد خطوط القتال مع معاونيه، فحدّد المواقع الرئيسية (ثلاثة بيوت زراعية) التي يتعين أن يحتفظ بها جنوده. ونشر معظم رجاله ومدافعه خلف سلسلة تلال مونت سان جان المرتفعة، والذي كان موقعاً مواتياً للدفاع عنه.

وفي تمام الساعة الحادية عشرة صباحاً، أمر الفيلق الثاني من فرقة المشير أونوريه شارل ريل باحتلال الغابة التي تقع بالقرب من مزرعة هوغومونت. وكان رجال من أفراد حرس كولدستريم وأفواج ناسو يحرسون هذا المبنى والبستان والحديقة المجاورين له. وصنع المدافعون ثغرات في جدران الفناء تمكنوا من خلالها من إطلاق النار على العدو.

وعلى الرغم من أن نابليون كان ينوي بهذا الهجوم أن يكون مجرد تشتيت لانتباه ويلنغتون عن الهجوم الفرنسي الرئيسي، فسرعان ما صار حمام دم باهظ التكلفة، حيث تحول الانقضاض إلى هجوم شامل للاستيلاء على هوغومونت. وعند واحدة من النقاط الحرجة اقتحم عدد من الجنود الفرنسيين فناء المبنى عبر البوابة الشمالية. وحشد اللفتنانت كولونيل جيمس ماكدونيل، قائد الحامية، رجاله وتمكنوا من إغلاق البوابة على العدو.

واستمر الصراع على هوغومونت بقية اليوم. وربما بسبب قصف مدفعي عنيف، فقد احترقت أجزاء من المجمع. وعند رؤيته لهذا، أمر ويلنغتون رجاله باحتلال الأنقاض والدفاع عنها- كان يعلم أنه كان لابد من الحفاظ على هوغومونت بأي ثمن.

وبينما واجه الجناح الأيمن لجيش ويلنغتون موجةً بعد موجة من الهجمات، سرعان ما صار منتصف ميسرة جيشه تحت الضغط. وفي نحو الساعة الثانية بعد الظهر، بدأ الفيلق الفرنسي الأول، بقيادة الكونت ديرلون، تقدمه باتجاه مزرعتي لا هاي سانت وبابلوت؛ مما دفع خط الزحف باتجاه المدافعين المنتظرين.

تقدم نحو 17 إلى 20 ألفاً من جنود المشاة الفرنسيين في طوابير هائلة، وهم يقرعون الطبول ويهتفون «يحيا الإمبراطور»! وبمجرد وصولهم إلى حافة المنحدر، قوبلوا بنيران مدوية مروعة من الكتائب البريطانية والألمانية.

وكان الدوق قد وزَّع مُشاته المدافعين عن التلال- نحو 3,500 رجل- إلى ثلاثة صفوف عرض كل منها 150 جنديًّا. ومنح هذا المدافعين أكبر قدر ممكن من قوة النيران لإيقاف تقدم الفرنسيين. وكان معظم الجنود مسلحين ببنادق فلينتلوك من طراز «براون بس»، التي لم يزد نطاقها الفعال عن 40 إلى 50 متراً فقط. ولما كانت هذه الأسلحة النارية غير دقيقة على الإطلاق، كان إطلاق وابل من الطلقات المجمّعة هو الطريقة الأكثر فعالية لإيقاع الإصابات. وبمجرد أن اقتربت المسافة بين القوتين، أمر قائد الفرقة الخامسة الجنرال توماس بيكتون رجاله بتهيئة حرابهم والانقضاض على الفرنسيين، وهم يصرخون: «اهجم! اهجم! مرحى! مرحى!» قُتل الجنرال على الفور، لكن هجومه المضاد دفع الفرنسيين إلى التقهقر.

وكان اللورد أوكسبريدج، قائد سلاح الفرسان البريطاني، يراقب تطور الأحداث. وعندما رأى فرصة سانحة، أمر بشن هجوم كبير من سلاح الفرسان؛ مما أوقف بنجاح تقدم ديرلون. وطعن الفرسانُ بسيوفهم مئاتِ الرجال أو دفعوهم للفرار، كما اكتسبت الخيول قوة دافعة وهي تركض نزولا من المنحدر، حيث زحف المشاة الفرنسيون قبل قليل. وعلى الرغم من كونها لحظة حاسمة، فإن تكلفة هذا الهجوم كانت باهظة. فقد واصل العديد من الخيالة الركض بجيادهم عبر الميدان باتجاه المدافع الفرنسية، حيث شن الفرسان الفرنسيون هجوماً مضاداً سريعاً وأوقعوا خسائر فادحة بالبريطانيين المنهكين.

وبعد إبادة الفرسان البريطانيين تقريباً، صدرت الأوامر إلى الفرسان الفرنسيين حملة الدروع بمهاجمة مشاة الإنجليز والحلفاء فوق التلة. وفي العادة، كان سلاح الفرسان يتمتع بأفضلية كبيرة على جنود المشاة، خاصة عند مهاجمة صفوف ضيقة من الرجال الذين غالباً ما كان يصيبهم الذعر، فيكسرون صفوفهم، ومن ثمَّ يمكن مطاردتهم بسهولة. ومع ذلك، فما لم يتمكن نابليون وجنرالاته من رؤيته من وراء تلة مونت سان جان هو أن ويلنغتون رتّب كتائب مشاته في تشكيلات مربعة قوامها 24 في 30 رجلاً. ورفع رجالُ كلِّ مربعٍ حرابهم وبنادقهم مصوبة إلى الخارج من كل جانب؛ مما شكّل عقبة يستحيل على الفرسان تحطيمها. ومع ذلك، فقد اجتاحت الخيول الفرنسية التلال وانقضت على التشكيلات، بحثاً عن أي فجوة بين الصفوف. وطوال ساعتين هاجم الفرنسيون جيئة وذهاباً فوق التلة، في محاولة لاختراق التشكيلات البريطانية التي صمدت؛ مما أوقع الفرسان في شرك تبادل مميت لإطلاق النار. وبداية من الساعة 4.30 مساء تقريباً، بدأت تصل إلى نابليون أخبار مزعجة. وكان بوسعه الآن أن يرى عبر منظاره الجيش البروسي وهو يقترب من ميمنة ومؤخرة جيشه. وكان الفيلق البروسي الرابع، وقوامه نحو 30,000 رجل، بقيادة فريدريش فيلهلم فرايهر فون بولوف، يتقدم نحو قرية بلانسينوا. وإذا تمكنوا من احتلال هذا الموقع؛ فسيكون ذلك بمثابة كارثة للفرنسيين.

وبعد اكتشاف التهديد كلف نابليون عشر كتائب (نحو 6,000 رجل) من الحرس الإمبراطوري للمساعدة على الدفاع عن بلانسينوا. وكانت هذه النخبة من مشاة الاحتياط خصماً مخيفاً، فتحول الصراع على القرية إلى قتال دموي استمر حتى المساء.

ومع التفاف الجيش البروسي حوله، وبسبب الصمود الواضح لمشاة ويلنغتون المحاصرين، فقد خسر الإمبراطور المعركة. ومع ذلك، فقد كان مصمماً، وربما كان يائساً، لذلك بذل محاولة أخيرة لتحقيق النصر، فأمر من تَبقَّى من نخبة الحرس الإمبراطوري بالتقدم نحو مونت سان جان.

وبحلول الساعة السادسة مساء استولى الفرنسيون في النهاية على لا هاي سانت؛ مما وجه ضربة هائلة لويلنغتون. وعلى الرغم من وصول حليفه إلى ساحة المعركة، فقد علم الدوق أن رجاله كانوا على وشك الانهيار. وعلى الرغم من نقص ذخائرهم والأعداد الكبيرة من الضحايا، فقد تجمّعت خطوط جيش الإنجليز والحلفاء مرة أخيرة لصد هجوم الحرس الإمبراطوري. وأطلق الهولنديون والبلجيكيون والبريطانيون وابلاً من النيران من مسافة قريبة على الفرنسيين الذين تقدموا في تشكيل مربع لحمايتهم من الفرسان. وتعالت صرخة «لينسحب الحرس!» أثناء انسحاب الحرس على عجل.

وبحلول أواخر المساء كان الفرنسيون في حالة انسحاب كامل، وقبل نهاية الشهر تنحى نابليون عن الحكم. وتبادل ويلنغتون وبلوخر التحية في ساحة المعركة في ذلك المساء. وقد أشار ويلنغتون لاحقاً إلى المعركة بأنه «احتمال الفوز كان يتأرجح في أي من الاتجاهين.»

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى