أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
التاريخ

كيف بُنيت فينيسيا (البندقية)

شيدت هذه المدينة الإيطالية المحبوبة فوق مستنقعات

على الرغم من أن فينيسيا Venice كثيرا ما تُختار كأجمل مدينة في العالم، إلا أنها تبدو على الورق كابوساً لوجستياً وعملياً. فقد بني معظمها على مستنقعات- هناك بحيرة تبلغ مساحتها وحدها %8 من المدينة- على الرغم من أنها تحتوي على بعض أكبر وأثقل المباني الدينية والإدارية في إيطاليا. وهذا لا يشمل حتى مساكن ما يقدر بنحو 60,000 ساكن، وخطر الفيضانات الكارثية- وهو خطر داهم كما أثبت التاريخ. كيف، إذاً، تظل فينيسيا، “المدينة العائمة”، فوق الماء على وجه التحديد؟
يتمثل مفتاح بنائها بطريقة قديمة لاستخدام الأساسات المرتفعة، والتي ترفع بشكل فعال نقطة الصفر الأساسية Ground zero إلى ارتفاع يمكن عنده حماية المباني من مياه المد والجزر. ويتضمن ذلك غرس آلاف الأوتاد الخشبية الكبيرة المصنوعة عادة من خشب الدردار- عبر عمود المياه وصولاً إلى الرمال والطين تحتها. وتوضع كل دعامة بالقرب من الوتد المجاور لها، فتوضع واحدة تلو الأخرى، وتشكل في النهاية منصة خشبية مرتفعة. وبمجرد غرس عدد معين من الأعمدة في القاع، تسوّى قممها وتوضع ركيزة- أو طبقة أساس- من الخشب والرخام فوق القمة. فقد شيدت مباني فينيسيا على هذا الأساس.
ومع ذلك، فإن رفع المباني فوق الماء ليس سوى نصف البناء في فينيسيا- فالنصف الآخر هو إعادة توجيه مياه البحيرة بنجاح إلى مسارات سريعة يمكن التبديل بينها. وتبنى وتصان قنوات فينيسيا، التي يبلغ طولها الإجمالي 42 كم، في عملية متعددة المراحل- ولا تنتهي أبداً- تبدأ ببناء سد إنضاب Cofferdam، وهو حاجز مؤقت يحجز بمجرد إنشائه جزءا من مياه البحيرة ويعيد توجيهها، وهو أمر ضروري لأي أعمال للبناء. وبمجرد تشييد هيكل السد في مكانه، يمكن البدء بتجفيف المنطقة، حيث تزيل المضخات الصناعية أي مياه متبقية محتجزة في القناة. وبعد ذلك تُجرى عمليات التجريف على نطاق واسع، باستخدام حفارات ورافعات ضخمة لتجريف القناة.
بمجرد تطهير القناة يمكن للمهندسين البدء بتقوية القناة، باستخدام الدعائم والطوب والطين والإسمنت- بصورة أكثر تواتراً في السنوات الأخيرة- لربط وتعزيز هيكلها الأساسي. ولا تزال الدعائم الخشبية تُستخدم اليوم لأنه عند غمرها في بيئة القناة الخالية من الأكسجين تقريباً فإنها تحفظها بشكل لايصدق، فضلاً عن تعزيز قوتها من خلال التحّجر- وهو تأثير ناتج من تدفق المياه الغنية بالمعادن في محيطها المباشر.
وأخيراً، تحمي بنية فينيسيا سلسلة من آليات الوقاية من الفيضانات، والتي تتراوح من بناء السدود الخرسانية التقليدية حول المدينة إلى مشروع بدأ في عام 2003 لإنشاء عوامات طافية Pontoons ضخمة قابلة للنفخ عند مصب البحيرة عندما يهددها ارتفاع منسوب المياه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى