أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تكنولوجيا

طياراً مقاتلاً

بقلـم: سكوت داتفيلد

زارت مجلة كيف تعمل الأشياء مرفق قوة التسارع العالية High-G التابع لسلاح الجو الملكي البريطاني للتعرف على استعدادات الطيارين المقاتلين لأكبر معاركهم- ضد قوى الفيزياء نفسها

يخضع طيارو سلاح الجو الملكي لتدريبات صارمة قبل السماح لهم بالطيران. وعلى الرغم من سنوات التدريب التقني على القتال، فإن واحدة من أكبر العقبات التي يجب التغلب عليها كطيار مقاتل هي قوى الأرض، المتمثلة في الجاذبية. زارت مجلة كيف تعمل الأشياء موقع سلاح الجو الملكي البريطاني في كرانويل Cranwell، لينكولنشاير، لنرى مباشرة الكيفية التي يمكن بها لجهاز الطرد المركزي البشري إعداد الطيارين للقيام بمهامهم العسكرية في المستقبل.
ما قوة التسارع؟
كما نعلم جميعاً، فإن الجاذبية Gravity هي القوة التي تُبقي أقدامنا ثابتة على الأرض. ويخضع كل جسيم من المادة على الأرض لسحب كوكبي. وعند مستوى سطح البحر، ستتعرض لقوة g قدرها غرام واحد، أي 9.8 م2/ث، وهو ما يعادل وزن جسمك. ومع تسارعِ الجسمِ أو تباطُئِه، والتعرض لمستويات مختلفة من قوة g، تصنف إما كقوة موجبة أو سالبة.
وكلما زادت سرعة معدل التسارع، زاد عدد وحدات القوة g، أو قوى التسارع الموجبة، المطبقة. وبالمثل، فعندما تنعطف طائرة نفاثة أثناء طيرانها، يزداد التسارع بشكل كبير، ومن ثمَّ فإن الطيار يتعرض لقدرٍ أكبر من قوى التسارع. فمثلاً، إذا تعرض الطيار لثلاث وحدات g من القوة الموجبة، فذلك يعادل ثلاثة أضعاف وزن جسمه، الذي يدفع جسمه إلى الأسفل أثناء الطيران. وينطبق الشيء نفسه على التباطؤ: فكلما كان معدل تباطؤ الشيء أسرع، ازدادت قوة التسارع السالبة. وبالنسبة إلى طياري النفاثات المقاتلة، يحدث هذا أثناء عمليات الدوران أو المناورات الشديدة (الدوران ثم تنفيذ نصف حلقة). وهذه العقبات الناتجة من الجاذبية هي ما دفعت إلى اختراع آلات التدريب المتطورة، مثل جهاز الطرد المركزي البشري، لتدريب الطيارين على التسارع استعداداً للطيران الحقيقي.

انس القديم ورحّب بالجديد
شهد هذا العام إغلاق منشأة الطرد المركزي البريطانية الموجودة منذ فترة طويلة في فارنبورو بهامبشاير. وهناك كان الطرد المركزي يزود الطيارين بلمحة عن الجاذبية لمستقبلهم في الطيران منذ عام 1955. ومع ذلك، فبمرور الوقت، وصلت أجهزة الطرد المركزي في فارنبورو إلى سن التقاعد ولم تعد تفي بمعايير منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو). ويمنح مرفق تدريب جديد بتكلفة 44 مليون جنيه إسترليني (نحو 57 مليون دولار) وأجهزة طرد مركزي بشرية بمنشأة سلاح الجو الملكي في كرانويل، لينكولنشاير، الطيارين الفرصة لتجربة محاكاة الطيران بطرق غير مسبوقة.
تقليديّاً، عند استخدام جهاز طرد مركزي بشري لتدريب الطيارين على التعرض لقوى التسارع المرتفعة، يُربط المتدربون بجندول ثابت حيث تدوّر أجسامهم حتى تصل إلى مستويات من قوة التسارع تقارب تلك التي سيتعرضون لها أثناء التحليق بالطائرات النفاثة. ومع ذلك، ففي منشأة كرانويل الجديدة، تضع أجهزة الطرد المركزي، البالغ وزنها 39 طناً، طياراً في قمرة قيادة افتراضية، حيث تُجرى جلسات التدوير في جندول يدور بزاوية 180 درجة. ويعزز التجربة الغامرة استخدام شاشة محاكاة رقمية بدلاً من نافذة زجاجية حقيقية، وتقديم برنامج طيران رقمي مماثل لمحاكي الطيران. وعندما تمسك الذراع المحرك بالجندول العالي التقنية، فإن التسارع السريع يحاكي التغيرات في مستوى قوى التسارع. وبدلاً من فرض هذه المستويات بالكامل بواسطة غرفة التحكم، يمكن للطيارين المتصلين بجهاز الطرد المركزي في كرانويل استخدام واحدة من ثلاث قمرات لقيادة النفاثات المقاتلة، التي يمكن التبديل بينها، لتوجيه وتغيير مستويات قوة التسارع أثناء الدوران. ويحتاج الطيارون إلى تحمّل جلسة في أجهزة الطرد المركزي بقوة تسارع بمقدار 9 من قوة g لمدة 15 ثانية حتى يمكنهم التحليق في طائرة حقيقية. يتحقق هذا الإنجاز بشكل تدريجي على مدار يومين بالنسبة إلى الطيارين المحنكين الذين يسعون إلى الانتقال إلى طائرات مقاتلة أسرع، مثل التورنادو Tornado أو التيفون Typhoon. ولا يختبر جهاز الطرد المركزي القدرات البدنية للطيارين المستقبليين فحسب، بل وكذلك المعدات المستقبلية التي ستوضع في قمرة قيادة الطائرة النفاثة. ويتيح ذلك للمهندسين تقييم مدى فعالية جهاز الراديو، مثلاً، بقوة تسارع بمقدار 9 من قوة g.

الإحساس بالقوة
لا يحدث التسارع ضمن الجاذبية من غير عيوب فيزيائية. فلا تؤثر التغييرات في قوة التسارع على الضغط المطبق على الجسم الخارجي فحسب، ولكن أيضاً على عملياته الداخلية. ومن دون تدخل ميكانيكي، يتم سحب الدم في الجسم نحو الأرض، ويتجمع في قدمي الطيار. وهذا الانتقال المفاجئ للدم يؤدي إلى استنزاف الأكسجين في المخ؛ مما قد يجعل الطيار يفقد الوعي. إن G-LOC (فقدان الوعي الناتج من الجاذبية)، الذي يُعرف بـ«الخروج الرمادي»، هو الشاغل الرئيسي للطيار عند تنفيذ المنعطفات والدوران في الهواء؛ مما قد يؤدي إلى حوادث مميتة محتملة. وعلى الرغم من ذلك قد يحدث العكس عند السقوط الحر والتعرض لقوة g سالبة، فيندفع الدم إلى الرأس مسبباً «احمرار المرئيات» Redout. وهنا تأتي الأهمية الكبرى للتدريب على جهاز الطرد المركزي البشري. وبتعريض الطيارين المتدربين لمستويات متفاوتة من قوة التسارع، يمكنهم اكتساب المهارات والخبرات اللازمة لمكافحة تأثير فقدان الوعي في السماء، أثناء وجوده في بيئة آمنة ومتحكم بها. وأثناء طلعة تدريبية على جهاز الطرد المركزي، إذا تعرض أحد المتدربين لفقدان الوعي أو احتاج إلى مساعدة طبية، يمكن لغرفة التحكم إجراء إيقاف طارئ؛ مما يقلل بسرعة من وتيرة الطرد المركزي إلى 1 g. يُبرمج جهاز الطرد المركزي لوضع الجندول بدقة خارج باب الغرفة الطبية لاستخراج المتدرب بسرعة. وعلى الرغم من عدم وجود آثار صحية طويلة الأمد على الطيارين المتدربين، فإن التعرض لمستويات عالية من القوة g قد يسبب كدمات صغيرة تسمى الحبرات Petechiae، فتتمزق الشعيرات الدموية بطول مناطق معينة في الجسم، وخصوصاً الذراعين، بفعل القوة الهائلة، المعروفة أيضاً بحصبة الجاذبية «Geasles».
وهناك العديد من الطرق التي يستطيع بها الطيارون مكافحة التعرض لفقدان الوعي، بما في ذلك تقنيات التنفس والإجهاد. ومع ذلك، فللوصول بأمان إلى متطلبات الطائرات المقاتلة، يرتدي الطيارون بذلات طيران تعمل ككفة لجهاز ضغط الدم تشمل الجسم بكامله. ويمكن لهذه البذلات المضادة للقوة g وقاية الطيارين من التعرض لقوى تسارع إضافية خلال كل من تجارب المحاكاة ورحلات الطيران الحقيقية. تملأ البذلة ذات اللون الكاكي شبكة من الأنابيب، مقسمة إلى سترة وسروال وجوربين. وأثناء أشواط الاختبار، توصّل هذه الأنابيب عبر مخرج واحد إلى وحدة تلقيم الغاز في الجندول. ومع تعرض الطيار للمزيد من
قوى g، تنتفخ البذلة مسببة انضغاط الجسم ومنع تجمع الدم المفرط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى