أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تكنولوجياوسائل النقل

الطائرات التي تعمل بالطاقة الشمسية

اكتشف التكنولوجيا والعمل الجماعي خلف أول رحلة طيران دون وقود حول العالم

في يوليو 2010 حلّقت الطائرة التجريبية”سولار إمبلس Solar Impulse” في الأجواء. وعلى الرغم من أنها لم تكن أول طائرة تعمل بالطاقة الشمسية، إلا أن الفريق وراء مشروع سولار إمبلس حقق إنجازاً تاريخياً- فقد سخّر قوة الشمس للقيام برحلة استغرقت 26 ساعة، تضمنت تسع ساعات خلال الليل. فقد حصد هذا النموذج الأولي ثمانية أرقام قياسية عالمية، ولكن سرعان ما فاقه النموذج التالي. واكتمل بناء الطائرة سولار إمبلس 2 (Si2) في عام 2014، وصمّمت لإجراء أول رحلة طيران حول العالم دون وقود. وتجاوزت الطائرة Si2 جميع التوقعات وحلّقت حول العالم في رحلة من 17 مرحلة استغرقت فترة إجمالية قدرها 558 ساعة وسبع دقائق. فقد قطع الفريق أكثر من 43000 كم بسرعة متوسطة قدرها 75 كم/ساعة، دون وقود. تسبب حركة الطيران أكثر من 2% من انبعاثات الكربون في العالم، ولذلك هناك ضغوط لتقليل كمية الوقود الأحفوري المستخدم. فقد يستكشف المهندسون والعلماء مجموعة من الخيارات حاليا، ولكن في ظل المخاوف المتعلقة بسلامة وقود الهيدروجين وعدم دخول الوقود الحيوي إلى قطاع الطيران حتى الآن، ركّزت بعض الشركات المصنعة اهتمامها على الطاقة الشمسية. ومثل الألواح الشمسية على أسطح المنازل، تستخدم الطائرة Si2 أجهزة تسمى الخلايا الكهروضوئية، أو الخلايا الشمسية، لتوليد الكهرباء من أشعة الشمس. وتُصنع هذه الخلايا الرقيقة للغاية من السيليكون، وهو مادة من أشباه الموصلات يمكنها نقل الكهرباء مع العمل كعازل في الوقت نفسه. وعندما تتعرض الخلية للفوتونات المنبعثة من أشعة الشمس، فإنها تجبر الإلكترونات على الانتقال من أحد جانبي شريحة السيليكون إلى الآخر. ويولّد تدفق الإلكترونات تيارا كهربائيا يمكن للدائرة الكهربية Circuit المتصلة التحكم فيه. وتحتوي الطائرة Si2 على أكثر من 17000 من هذه الخلايا، والمثبتة على سطحها. وتقوم الكهرباء المولّدة بتشغيل محركات الطائرة (التي تدير المراوح الدافعة) كما تشحن بطاريات الطائرة ليلاً. لقد سعت سولار إمبلس إلى تحطيم الأرقام القياسية العالمية وكذلك إثبات أن هذه التقنية يمكن أن تمثّل خياراً عملياً لمستقبل الطيران. وفي تصريح له قال الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك للشركة الطيار أندريه بورشبيرغ: “يُعد الطيران حول العالم تحديا حقيقيا. إنها أكثر من مجرد مثال توضيحي، فهي تؤكد على أن هذه التقنيات موثوق بها ويمكن الاعتماد عليها حقا.” ولم يكن بورشبيرغ وزميله الطيار برتران بيكار جديدين على التحديات الكبرى، فقد سجل المغامر المتمرس بيكار رقماً قياسياً عندما أكمل في عام 1999 أول رحلة طيران من دون توقف حول العالم، في حين واجه طيَّار سلاح الجو السويسري السابق بورشبرغ بالفعل مخاطره الخاصة، فنجا من تحطم حوامة وحادث انهيار جليدي. فقد واجه مشروعهما للطيران حول العالم مشكلات تقنية وظروف طيران سيئة، لكن مجموع مهارات وخبرات الطيارين وفريق سولار إمبلس ضمن نجاح الرحلة.

بالنسبة إلى طائرة تعمل بالطاقة الشمسية، فالبديهي أن يكون أفضل وقت للإقلاع هو الصباح، وذلك للاستفادة من ضوء النهار بشكل فعال. ومثل جميع رحلات الطيران، يعد الطقس عاملاً مهماً، لكنه كان مهماً بشكل خاص للطائرة Si2. وعلى الرغم من أن لها نفس عرض جناحي طائرة بوينغ 747، إلا أن وزنها لا يزيد على وزن سيارة عائلية، لذا فمن السهل أن تجرفها الرياح القوية عن مسارها أثناء الإقلاع أو الهبوط. ولكي تبدأ الطيران، يقوم مزيج من طاقة البطارية والطاقة الشمسية بتشغيل المراوح أولاً، وبعد ذلك، مع انحراف مقدمتها لأعلى، ترتفع الطائرة الخفيفة في الهواء بسلاسة.

وهي ترتفع ببطء، مروراً بالتيار النفاث Jet Stream المضطرب على ارتفاع 10668 متراً ووصولا إلى الغيوم. ويجب على الطيار أن يتجنب بمهارة أي غيوم كثيفة قد تحجب ضوء الشمس البالغ الأهمية عن الألواح الشمسية. للاستدارة بالطائرة، تتسارع المروحة المثبتة على جانب أحد الجناحين. وتشحن الألواح الشمسية بطاريات الطائرة أثناء النهار، مع صعود الطائرة إلى ارتفاع 8534 متراً وهبوطها إلى ارتفاع 1524 متراً لتوفير الطاقة ليلاً. وعندما يحين وقت الهبوط، فإن التيار الكهربائي يُفصل عن المراوح وتحلق الطائرة إلى اليابسة.

تناوب الطياران قيادة الطائرة عبر مراحل الرحلة. وعلى الرغم من أن تلك الطائرة ذات المقعد الواحد لا يمكنها حمل سوى أحد الطيارين في كل مرة، إلا أنه لم يكن وحيدا في السماء- فقد كان على الأرض فريق دعم مكرّس للحفاظ على سلامته. فقد بدأت الرحلة في أبو ظبي، قبل الطيران شرقا عبر آسيا، ومن ثم عبور المحيط الهادي والولايات المتحدة والمحيط الأطلسي وأوروبا ومن ثم العودة مجددا إلى أبو ظبي. وكانت أطول مرحلة هي عبور المحيط الهادي، وقطعها أندريه بورشبيرغ في 117 ساعة و 52 دقيقة.

هل يمثل هذا مستقبل التكنولوجيا الخضراء؟ فما زال أمامنا طريق طويل لنقطعه، لكن من غير الواقعي أن نتصور أننا سنتمكن في غضون العقود القليلة القادمة من استخدام الطائرات العاملة بالطاقة الشمسية تجارياً. فقد تجاوزت سولار إمبلس جميع التوقعات؛ مما يثبت مقدار ما يمكننا تحقيقه بالفعل. وبعد الهبوط في المحطة الأخيرة لهذه الرحلة المذهلة، خاطب برتران بيكار الحشد الذي كان ينتظره: “هذه ليست المرة الأولى في تاريخ الطيران فحسب؛ بل الأولى في تاريخ الطاقة على الإطلاق. إنني واثق من أننا سنرى خلال عشر سنوات طائرات كهربائية تنقل 50 راكباً عبر رحلات قصيرة إلى متوسطة الطول. سولار إمبلس هي مجرد البداية. علينا الآن أن نمضي قدما!”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى