الجراحون الروبوتيون
تعرف على ابتكارات الواقع الافتراضي VR والواقع المعزز AR التي تُحدث ثورة في مستشفياتنا
بقلم: جيمس هورتون
ربما كانت الجراحة تعتمد على الابتكار التكنولوجي أكثر من أي ممارسة طبية أخرى. ومع ذلك، خلال العصر الحجري الحديث Neolithic period، وهو الدهر الأخير من العصر الحجري Stone Age، كانت الجراحة تُمارس بالفعل. استُخدم ثَقْب الجمجمة (التربنة) Trephining، وفيها يُحفر ثقب في الجمجمة، كعلاج مقترح لمرض لا يزال بالنسبة إلينا يمثل لغزاً حتى اليوم، على الرغم من أن المصريين القدماء استخدموا لاحقاً الإجراء نفسه لعلاج نوبات الصداع النصفي (الشقيقة) Migraines. واللافت للنظر أن بعض الأفراد عاشوا بعد هذا العلاج لفترة كافية للخضوع له لمرة ثانية!
كما هي الحال مع العديد من الأمور في العالم الغربي، فقد عزّز الإغريق القدماء فهمنا للجراحة، فشرّحوا الجثث للتعرف على بنيتها وساعدوا الأحياء بتجبير عظامهم المكسورة، و «فصدوا» مرضاهم، وأجروا عمليات البتر، ونزحوا السوائل من الرئتين. وواصل العالم الإسلامي المتقدم في نحو عام
900 م إصدار كتب عن جراحة الأذن والأنف والحنجرة والعديد من الموضوعات الأخرى. ولكن من دون التخدير، والمطهرات والمعدات الجراحية المتقدمة، ظلت هذه الممارسات خطيرة جدا- وتجربة مرعبة بالطبع بالنسبة إلى المريض.
بحلول العصور الوسطى، حقق الأوروبيون تطورات أولية على الأقل في مجال التخدير. ولسوء الحظ، كانت تركيزات الأعشاب والكحول المستخدمة لهذا الغرض بخطورة الجراحة نفسها تقريباً، فقد كانت قوية لدرجة أن كثيراً من المرضى توفوا على طاولة العمليات قبل أن يبدأ الجرَّاحُ العمليةَ. وكان الجراحون في هذا الوقت جماعة مثيرة للاهتمام، إذ كان معظمهم يمتهنون الحلاقة؛ فكان هؤلاء «الحلاقون-الجراحون» يقومون بخلع الأسنان أو تجبير العظام أو حتى البتر إذا دعت الحاجة.
استغرق الأمر حتى القرن التاسع عشر، فبعد أن حقق عصر التنوير Age of Enlightenment ابتكارات جديدة في مجال العلوم والتكنولوجيا، وجد الغاز المخدر استخداماً واسعاً. في وقت لاحق من القرن نفسه، توصلنا أيضاً إلى فهم نظرية الجراثيم وكيفية الوقاية من العدوى بعد الجراحة، وهي أساس مكافحة العدوى الحديثة.
واستمر هذا التقدم الهائل في القرن العشرين، فزادت المضادات الحيوية ونقل الدم والأشعة السينية من سلامة وفعالية الجراحة. بحلول نهاية الألفية، ومع معرفتنا التي صارت شاملة آنذاك بالجراحة، كان من السهل الاعتقاد بوجود احتمال ضئيل للتقدم في المستقبل. وبحلول ذلك الوقت، لم يكن الأشخاص يخضعون للجراحات الروتينية لإجراء عمليات منقذة للحياة فحسب، بل أيضاً لتحسين جودة حياتهم، أو حتى لمجرد أغراض التجميل. ولكن يبدو أن تلك كانت مجرد بداية.
ويحمل التقدم في تطوير البرمجيات والروبوتات وعداً هائلاً لإحداث ثورة في مجال الجراحة، وكثير منها يشق طريقه بالفعل إلى المستشفيات. وستوجد هذه التقنيات في كل أركان الممارسة الجراحية تقريباً، بداية من تدريب جراحي المستقبل وحتى إجراء الجراحات المعقدة.
لنبدأ من البداية. تخيل أنك جراح ناشئ يتوق إلى اكتساب خبرة في مهنتك التي اخترتها. وتُلزمك العملية المعتادة لهذا الأمر بالتدرّب على يدي جراح خبير، والسفر بعيداً لزيارة أحد الخبراء العاملين في مستشفى بعيد. ولكن في عام 2016، كُشف لأول مرة أن الواقع الافتراضي هو تقنية رائعة لمشاركة رؤية غامرة لما يفعله الجراح في الزمن الحقيقي. فقد أجرى الجراح شافي أحمد Shafi Ahmed بثاً مباشراً بزاوية 360 درجة لعملية لاستئصال ورم. وعلى عكس لقطات الفيديو، فإن الواقع الافتراضي Virtual Reality يُمكِّن طلبة الجراحة من مسح محيطهم، وتفقّد عمل الأعضاء الآخرين في الفريق الجراحي والبدء بتخيل أنفسهم وهم يعملون مكان الجراح الممارس.
وبعد تعزيز معرفتهم النظرية بما فيه الكفاية، تتمثل الخطوة التالية بتدريب الجيل القادم من الجراحين عمليّاً. بطبيعة الحال، قد تكون ممارسة الجراحة محفوفة بالمخاطر، لكن الطباعة الثلاثية الأبعاد المتقدمة يمكنها أن توفر الكثير من الفوائد دون أي خطر. فقد نجح الأطباء في مركز جامعة روتشستر الطبي University of Rochester Medical Center
بنيويورك في تحويل صور الفحوص الطبية إلى تصاميم أنشئت حاسوبيّاً لطباعة الأعضاء الاصطناعية التي تشبه الأعضاء الحقيقية في الشكل والملمس، كما أنها تنزف ولها الخصائص الميكانيكية نفسها. والهدف من ذلك هو تمكين الجراحين الطموحين من صقل مهاراتهم على مستوى عالٍ قبل البدء بإجراء الجراحة على مرضى فعليين. إضافة إلى ذلك، يمكن استخدام النماذج المطبوعة بأبعاد ثلاثية كميزة إضافية للتخطيط المسبق والتمرّن على إجراء العمليات الجراحية المعقدة مسبقاً؛ مما يزيد من فرص نجاحها، حتى من قبل الجراحين ذوي الخبرة.
تخيل أنك جراح وأننا نمضي بسرعة خلال يوم عمل في غرفة العمليات: أنت تحاول إجراء عملية معقدة، للشقوق الجراحية الدقيقة وتوجيهات الخبراء أهمية بالغة. ولحسن الحظ، فقد تدرجت من البيئات الافتراضية إلى البيئات المعززة، ومن خلال نظاراتك العالية التقنية، يمكنك رؤية البنى الداخلية للمريض مرسومة على جسمه. ويمكن لخبير خارجي من أي مكان في العالم أن يرى هذا أيضاً، بل ويقدم إليك المشورة أثناء إجراء الجراحة. فهذا الواقع المعزز الذي تدعمه تقنية هولولنس HoloLens من شركة مايكروسوفت، يمنح الجراح رؤية تفوق قدراته البشرية. إضافة إلى ذلك، يعني الترابط بين الفرق الجراحية في جميع أنحاء العالم أنه يمكن تبادل الخبرات بين المستشفيات في المناطق الفقيرة والغنية على حد سواء. ومع ذلك، فهناك بعض العمليات التي يتم فيها التفوق حتى على الجراحين المجهزين بالواقع من قبل من يستخدمون الروبوتيات لتعزيز دقتهم في غرفة العمليات. والأنظمة الروبوتية الراسخة، مثل نظام دافنشي الجراحي Da Vinci Surgical System
الذي نستكشفه في هذا المقال، يمكنها إجراء العمليات الطفيفة التوغل بمهارة لا يجاريها البشر. مع الدقة المحسنة، والأذرع المتعددة ورؤية الأعضاء الداخلية بأبعاد ثلاثية، تفتح الروبوتيات إمكانات جديدة في العمليات الجراحية، كانت تمنعها في السابق الرؤية المحدودة للجراح ونطاق حركته المقيد.
كما هي الحال مع جميع التقنيات جارٍ تصغير أحجام الروبوتات الجراحية بشكل متزايد للمساعدة على استخدامها في مجموعة من غرف العمليات ومعالجة الإجراءات الأكثر دقة. ومن بين المفاهيم التي تلبي هذه الأهداف تصميم Axsis، وهو جهاز يستخدم أذرعا مرنة مزودة بكماشة في نهاياتها في جراحات إعتام عدسة العين تتعزّز دقة الأذرع البالغ قطرها 1.8 ملم عن طريق برمجيات حاسوبية لتوجيه الصور وذكاء اصطناعي يوجه النصائح للطبيب الممارس أثناء الجراحة.
ربما لا تتوقف التقنيات المصغرة عند هذا الحد. فقد عقدت وكالة ناسا شراكة مع شركة فيرتشوال إنسيجن Virtual Incision الطبية لصنع روبوت صغير يمكن تشغيله عن بُعد بواسطة جراح لإجراء الجراحات الصغيرة في حالة انخفاض الجاذبية. إذا نجح، فقد نجد هذه الروبوتات تُستخدم في مجالات أخرى.
وتعمل أدوات مثل أكسيس ودافنشي وهولولنس، وغيرها على دفع مستقبل الجراحة إلى نقطة يكون لدينا فيها جراحون أفضل تعليماً وتدريباً وأكثر اتصالاً وتجهيزاً من أي وقت مضى. ومثل التحولات التي حدثت في الجراحة خلال القرن الماضي، يمكننا أن نأمل بحدوث تقدم بالحجم نفسه في المستقبل.