أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم البيئيةالعلوم الطبيعية

أسرار بقعة أعماق البحار لأصول الحياة

بقلم: ياسمين سابلاكوغلو

قد يحمل ميكروب يعيش في الأعماق الموحلة للمحيط الهادي، ويشبه فقاعة ذات مخالب أسرار كيفية تطور الكائنات الحية الأولى المتعددة الخلايا. قبل وقت طويل من ظهور الكائنات الحية المعقدة كان العالم موطناً لكائنات بسيطة وحيدة الخلية، هي العتائق Archaea والبكتيريا. ومنذ ما بين 2 و1.8 بليون سنة مضت، بدأت تلك الكائنات تتطور، مما أدى إلى ظهور أشكال حياة أكثر تعقيداً تسمى حقيقيات النوى Eukaryotes، وهي مجموعة تضم البشر والحيوانات والنباتات والفطريات.
ولكن هذه الرحلة المذهلة التي انتقلت خلالها الحياة من فقاعات سابحة إلى حيوانات تدب على الأرض لا تزال غير مفهومة جيداً. فقد افترض العلماء سابقاً أن مجموعة من الميكروبات تسمى عتائق أسغارد Asgard archaea هي أسلاف حقيقيات النوى، لأنها تحتوي على جينات مماثلة لنظيراتها المعقدة. ولتحليل شكل هذه الميكروبات وكيف يمكن أن يحدث هذا التحول، أمضت مجموعة من الباحثين في اليابان عقداً من الزمن في جمع وتحليل الطين المجلوب من قاع حيد أومين البحري Omine Ridge قبالة سواحل اليابان.
احتفظ الفريق بعينات الطين، والميكروبات الموجودة فيها، في مفاعل حيوي Bioreactor خاص في المختبر لمحاكاة ظروف أعماق البحار التي وجدت فيها. وبعد سنوات بدؤوا بعزل الميكروبات الموجودة بداخل العينات. وكان الهدف الأولي هو العثور على الميكروبات التي تلتهم الميثان، والتي يُمكنها تنظيف مياه الصرف الصحي. ولكن عندما اكتشفوا أن عيناتهم تحتوي على سلالة غير معروفة سابقاً من عتائق أسغارد، قرروا تحليلها وزرعها في المختبر. وقد أطلقوا على السلالة المكتشفة حديثاً اسم “عتائق بروميثيوس المتبادلة التغذية” Prometheoarchaeum syntrophicum نسبة إلى الإله اليوناني بروميثيوس الذي تقول الأسطورة إنه خَلَق البشر من الطين، ووجدوا أن هذه العتائق تنمو ببطء نسبياً، حيث تضاعف عددها كل 14 إلى 25 يوماً فقط.
لقد أكد التحليل أن عتائق P.syntrophicum بها عدد كبير من الجينات التي تشبه تلك الموجودة في حقيقيات النوى. وتحمل هذه الجينات التعليمات الخاصة بصنع بروتينات معينة موجودة في هذه الميكروبات، لكن البروتينات لا تُنشئ أي هياكل شبيهة بعضيات Organelle مثل تلك الموجودة في حقيقيات النوى Eukaryotes. وطرح المؤلفون الفرضية القائلة إنه منذ نحو 2.7 بليون سنة، بدأ الأكسجين بالتراكم على كوكبنا.
بعد أن عاشت في عالم خالٍ من الأكسجين لفترة طويلة، اتضح أن هذا سام للعتائق P.syntrophicum، لذلك ربما طورت تكيفاً جديداً: طريقة لبناء شراكات مع البكتيريا المتحملة للأكسجين. وقد زودت هذه البكتيريا العتائق P.syntrophicum بالفيتامينات والمركبات الضرورية للعيش، في حين تغذت في المقابل بفضلات العتائق. ومع زيادة مستويات الأكسجين بشكل أكبر، ربما صارت العتائق P.syntrophicum أكثر عدوانية، فكانت تختطف البكتيريا المارة بزوائدها الطويلة الشبيهة باللوامس وتبتلعها. وفي داخل العتائق P.syntrophicum، ربما تطورت هذه البكتيريا في النهاية إلى عضية منتجة للطاقة، وهي مفتاح بقاء حقيقيات النوى: أي الميتوكوندريا Mitochondria.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى