أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تكنولوجياذكاء اصطناعي

الذكاء الاصطناعي

من المركبات الذاتية القيادة إلى استخراج البيانات، نحن نعيش في عصر الآلات الذكية

إذا سألت غوغل “ما هو الذكاء الاصطناعي؟ ” سيجيب، “هل تقصد الذكاء الاصطناعي؟” إنك تقصد ذلك بالطبع. وفي الوقت نفسه، فخلال الـ 0.15 ثانية التي يستغرقها الأمر لاكتشاف سذاجتك، جمعت آلة ذكية 17,900,000 نتيجة للنظر فيها- بما في ذلك مقاطع الفيديو، والصوت، والسجلات التاريخية وآخر الأخبار – والمرتبة حسب الأهمية والموثوقية. وقبل 20 عاما كان هذا النوع من الذكاء الاصطناعي ضرباً من الخيال العلمي، لكننا نطلق عليه الآن بكل بساطة اسم “التكنولوجيا”. فقد بدأ الذكاء الاصطناعي منذ أكثر من 60 عاما كسؤال فلسفي طرحه عالم الرياضيات الإنجليزي العبقري آلان تورينغ: “هل يمكن أن تفكر الآلات؟” ففي عام 1955، ظهرت عبارة “الذكاء الاصطناعي” للمرة الأولى في الأدبيات ضمن مقترح لعقد مؤتمر أكاديمي صيفي لدراسة الفرضية القائلة إنّ “كل جوانب التعلم أو الخصائص الأخرى للذكاء يمكن من حيث المبدأ وصفها بدقة تسمح بقيام آلة ما بمحاكاتها”. وفي جوهره، فإن علم الذكاء الاصطناعي هو السعي إلى فهم آليات الذكاء نفسها. ويمكن تعريف الذكاء في البشر أو الآلات على أنه القدرة على حل المشكلات وتحقيق الأهداف. وكما تبين، تعد الحواسيب آلات مثالية لدراسة الذكاء الاصطناعي، لأنها “قابلة للتعلّم” بدرجة عالية.
وعلى مدى نصف قرن، درس الباحثون علم النفس المعرفي- كيف يفكر البشر- وحاولوا كتابة معادلات رياضياتية متميزة، أو خوارزميات، تحاكي الآليات المنطقية للذكاء البشري. فقد أثبتت الآلات كونها ذكية للغاية، إذ يتطلب حل المسائل المنطقية للغاية إجراء أعداد هائلة من الحسابات. لنأخذ مثال ديب بلو Deep Blue، وهو الحاسوب لاعب الشطرنج من شركة IBM، والذي تغلب على كبير أساتذة الشطرنج غاري كاسباروف باستخدام قوة المعالجة الجبارة لحساب عدد لا نهائي من النقلات والنقلات المضادة المحتملة. وبدلا من ذلك، فكّر في الأمثلة اليومية على الذكاء الاصطناعي المدهش، مثل أنظمة تحديد المواقع العالمية ونظم الملاحة التي تأتي كإضافات قياسية في العديد من السيارات الجديدة. فما عليك إلا النطق بعنوان وجهتك وسيفسِّر الحاسوب المثبت فيه صوتكَ، ويحدِّد موقعك الدقيق على الكرة الأرضية، ومن ثم يزوِّدك بتوجيهات مفصلة للسفر من موسكو إلى مدريد. حتى شيء ‘بسيط’ مثل المدقق الإملائي في معالج النصوص الذي تستخدمه، يصحِّح أخطائك المطبعية أثناء الكتابة. لكن هناك آلات للذكاء الاصطناعي تتجاوز استخدامات الحياة اليومية، مثل الروبوتات. وتتسم أذكى الآلات الروبوتية المتاحة اليوم بكونها تمتلك أكثر بكثير من مجرد ذكاء منطقي؛ فهي تتمتع أيضا بذكاء جسدي. لنأخذ مثال ستانلي Stanley، وهو عربة ذاتية القيادة بنسبة %100، والتي اجتازت صحراء موهافي للفوز بتحدي داربا الكبير لعام 2005. فقد استخدمت العربة ستانلي بيانات النظام GPS لتحديد موقعها، وكذلك الرادار وكاميرات الفيديو الموجهة بالليزر لتحديد بعدها عن العقبات في الزمن الحقيقي. وتبثُّ الغايروسكوبات الداخلية ومِجسّات القصور الذاتي تياراتٍ مستمرة من البيانات إلى الحاسوب المثبت على متن العربة للتحكم في المقود والتسارع. فقد انتزع الروبوت أسيمو (وهو اختصار: خطوة متقدمة في التنقل المبتكر) من شركة هوندا اهتمام العالم بمشيته الشبيهة بالبشر، وهو إنجاز كبير للهندسة الذكية. ويستخدم أسيمو مجِسّات الأشعة تحت الحمراء والموجات فوق الصوتية لقياس بُعده عن الأرضيات والجدران والأجسام المتحركة، ويعدل باستمرار توازنه وحركته باستخدام 34 محركا تآزريا عالية الدقة. وتعمل معالجات أسيمو بسرعة البرق، بحيث يمكنك دفع الروبوت جانبا في منتصف الخطوة، وسيرمي على نحو “غريزي” ثقلَه على القدم الخارجية لتصحيح وضعه. ربما تَمثَّل أعظم إنجازات الذكاء الاصطناعي على مدى نصف قرن بالطريقة التي يمكن بها للآلات معالجة المعلومات بذكاء.
غوغل هو مجرد مثال واحد على تكنولوجيا المعلومات الذكية التي يمكنها تحليل كميات هائلة من البيانات إلى معلومات مفيدة. وتقذف شبكات الهاتف الخليوي الذكية حزم من البيانات الصوتية بطول المسار الأكثر كفاءة. فبرمجيات الخدمات اللوجستية هي القوة الدافعة للأعمال التجارية العالمية، إذ تحسب الطريقة الأكثر فعالية وربحية لشراء المستلزمات، وتصنيع وشحن المنتجات عبر العالم. وتستخدم شركات بطاقات الائتمان برمجيات ذكية لتحليل أنماط شراء الملايين من حاملي البطاقات والتعرف على التحذيرات الطفيفة التي تشير إلى الغش أو السرقة. ففي عصر المعلومات، نحن نعتمد على هذه الأجهزة الذكية لفهم تيارات البيانات التي تبدو عشوائية. ومع تواصل التضاعف في قوة المعالجة، نحن تقترب أكثر فأكثر إلى الإجابة عن سؤال تورينغ الأصلي: “هل يمكن أن تفكر الآلات؟” ونُعلّم الآلاتِ أن تقلل اعتمادها على المنطق الصرف وأن تزيد الاعتماد على الاحتمالات والخبرة، فيما يمكن أن نطلق عليه اسم “الحدس”. وهي قادرة على فهم الأمور بسرعة كبيرة للغاية!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى